بوتين ينذر بحرب جرثومية
كان فلاديمير بوتين يأمل من الحملة العسكرية التي شنّها على أوكرانيا، أن ينجح سريعا في إطاحة الحكومة الأوكرانية الموالية للغرب، والطامحة إلى شراكة كاملة مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، لكنه في الغالب أدرك أن الأمر أصعب مما توقع، فلجأ إلى القبول بمفاوضات مباشرة، على أمل أن تجعل الوفد المفاوض ينهار تحت أخبار المعارك، ويوافق على كل الشروط الروسية، ولكن حتى هذا الرجاء لم يفلح، فقد عُقدت عدة لقاءات بين وفد دولته مع الوفد الأوكراني، ولم ينجح في الوصول إلى نقاط التفاوض التي يريدها، ورفض الوفد الأوكراني أن يبحث في غير المسائل الإنسانية وفتح الممرّات الآمنة للمدنيين الذين طاولهم القصف الجنوني للمدن. استمر الرئيس الأوكراني بالظهور اليومي على شاشات التلفزيون، مبديا عزيمة وإصرارا على الصمود، وفُتحت له منصّات البرلمانات الغربية للتحدّث إليها مباشرة، تقوية لمعنويات الأوكرانيين الذين يقاتلون على مختلف الجبهات، واستخدم الغربيون أقصى ما تتيحه قوانين الحروب والدفاع عن السيادة، وأمدّوا الجيش الأوكراني بمعدّات كثيرة ساعدته على الصمود حتى هذه اللحظة.
كانت الوسائل التي استخدمها بوتين، في البداية، لإجبار أوكرانيا على الخضوع هي الإسراع نحو كييف، ومحاولة تطويقها، وحصر القاعدة فيها لانتزاع الاستسلام، ولكن الطريق نحو كييف كان محفوفا بالموت الذي لم يتوقعه بوتين، فتباطأ الهجوم وانكمشت القوات. وتقول تقارير إن الجنود الروس بدأوا حفر خنادق وبناء سواتر وزرع ألغام، بما يعني أن عمليات التقدّم قد تأجلت. وتؤسّس القوات الروسية لحماية نفسها من أجل إقامةٍ قد تطول، فاستعصاء الجهة الغربية من كييف وبقاؤها تحت سيطرة القوات الأوكرانية يعني استمرار الاتصال الجغرافي مع الغرب، وتلقي المساعدات منه، وإبقاء شريان حياة حيوي ومعنوي لقيادة أوكرانيا السياسية إلى مزيد من الصمود، كما حاولت القوات الروسية في الجنوب فتح ممرّ برّي ما بين شبه جزيرة القرم والمناطق الشرقية في دونباس التي أعلنت ولاءها لروسيا، ودارت معارك كبيرة حول مدينة ماريوبول التي تعتبر نقطة وصل لذلك الممرّ. وهناك أيضا وجد الجيش الروسي مقاومة ضارية، واستعصت المدينة التي من دونها لن يجري وصل القرم مع دونباس. وإلى الغرب من شبه جزيرة القرم، أسرعت القوات الروسية لتسد كل المنافذ الأوكرانية على البحر الأسود، وتمنع عنها نافذه بحرية هامة. ولتحقيق هذا الغرض، لا بد لها من الوصول إلى مدينة أوديسا، ولكن القوات الروسية ما زالت بعيدة جدا، ومن المحتمل أن تلقى مقاومةً يصعب كسرها، ولا يعوّل الأوكرانيون على الحدود مع بيلاروسيا التي تشارك فعليا في الحرب إلى جانب روسيا، ولكن الحدود من الغرب مع بولونيا ما زالت تشهد نشاطا إغاثيا وعسكريا واسعا.
يمكن أن تستمر الحالة العسكرية الراهنة وقتا أطول، وبوتين لا يملك الكثير، فقد استهلك خمسة أسابيع كاملة من دون نتائج مرضية له، وخسر عددا ضخما من جنوده وجنرالاته العسكريين، ناهيك عن المعدّات والمؤن التي دمرها الجيش الأوكراني، وكان جديدها أخيرا سفينة نقل ضخمة. من الطبيعي الآن أن يبرز أمام بوتين الخيار الكيميائي أو الجرثومي، الذي استُخدِم في سورية عدة مرّات، ومن المحتمل أن يكون خيار بوتين في أوكرانيا من هذا النوع، وقد فشل في تطويق كييف شمالا، وعزل أوكرانيا عن البحر في الجنوب، ووصل القرم بدونباس شرقا، فبقيت لدى الأوكرانيين مساحة واسعة يستطيعون استخدامها لتحويل الهجوم الروسي إلى استنزاف طويل المدى، لن يتمكّن بوتين من تحمله، ولذلك تحذّر الدول الغربية من استخدام السلاح الكيميائي، ولكن من سوء الحظ أن الدول نفسها كانت قد حذّرت من استخدام هذه الأسلحة في سورية، وقد جرى الاستخدام بالفعل من دون أن يكون هناك أي نوع من العواقب، وقد يكون بوتين قد وعى هذا الدرس، ويحضر الآن لهجومه التالي.