بوتين والسلاح النووي
"من يصنع القنبلة النووية أولاً هو من يستطيع إملاء شروطه على العالم". هذا ما جاء في رسالة للضابط السوفييتي غيورغي فليوروف، في مايو/ أيار 1942، الموجّهة إلى سيد الكرملين جوزيف ستالين. شكّلت هذه العبارة حافزاً لستالين في أثناء استراحته من صدّ الغزو الألماني لبلاده في سياق "عملية بارباروسا" (22 يونيو/ حزيران 1941 - 7 يناير/ كانون الثاني 1942)، وعشية اندلاع معركة ستالينغراد (فولغوغراد حالياً)، بين 23 أغسطس/ آب 1942 و2 فبراير/ شباط 1943. وباشر السوفييت منذ ذلك الحين عملهم للانضمام إلى "النادي النووي". وبعد إلقاء الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في 6 و9 أغسطس/ آب 1945، على التوالي، فهم السوفييت أنه لا يجوز لهم التأخّر في إظهار عضلاتهم، فكشفوا عن قدراتهم النووية تباعاً، وصولاً إلى تفجير أكبر قنبلة نووية في التاريخ، وهي قنبلة "القيصر" (أو إيفان الكبير بحسب التسمية السوفييتية) في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 1961.
وبسبب امتلاكهم القنابل النووية، تحوّل السوفييت إلى قطبٍ عالمي بموازاة الولايات المتحدة، فأثبتوا صدقية عبارة فليوروف، غير أن القوة النووية لم تحمهم من السقوط والتفكّك في عام 1991، كما لم تمنع الفقر والتدهور المعيشي، لا في زمن الاتحاد السوفييتي، ولا في حنايا الجمهورية الروسية الوليدة.
في التاريخين، الروسي والسوفييتي، دائماً ما تتعثّر أحلام موسكو بسبب أوهام شخصانية، لا بسبب تأثيرات خارجية. لم تسقط روسيا، في القرنين الماضيين، تحت احتلال خارجي من الغرب. لا نابوليون بونابرت نجح في قرع أبوابها، ولا أدولف هتلر تمكّن منها. دائماً ما يكون سقوط أي أمة روسية، من الإمبراطورية والقيصرية والسوفييتية وصولاً إلى أيامنا الحالية، ناجما عن جنوح سيد القصر، أياً كان.
جنوح الزمن الأخير يقوده فلاديمير بوتين، ملوّحاً باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا وبلدان أخرى. وقد تخرُج تحليلات عدة، عن "استفزاز غربي له"، عبر زحف حلف شمال الأطلسي شرقاً، أو أن "لا حقّ لأوكرانيا في أن تكون دولة مستقلة، بل جزءاً أصيلاً من روسيا"، وغيرها من المعادلات. لكن الثابت أن بوتين لم يكن يحتاج حجّة للاجتياح. وبمعزل عن جورجيا وسورية والشيشان، وعن "الدفاع عن الوطن ضد الأعداء"، فإن عقيدة بوتين عن "الأمة الروسية" تكفي للإشارة إلى أن طموحه غير متصل بنيات غربية، بل في الواقع، ما فعله الغرب هو إخراج أفكار ابن سانت بطرسبرغ من الجدران الضيقة إلى العالم الواسع.
في عام 2018، نظمت روسيا كأس العالم لكرة القدم، وكانت ناجحةً بالمقاييس التنظيمية والسياحية، فلو قيل لأي روسي أو زائر لروسيا، خلال هذه البطولة، إن الرجل الجالس في المدرّجات مفتتحاً المباريات سيُهدد باستخدام السلاح النووي في غضون أربع سنوات، لكان الرد: "بوتين ليس هتلر، بل إنسان عاقل"، أو "ألم تجده كيف يتفاعل مع المباريات والجمهور؟". ليخلص كل من رأى بوتين في سلوكه المنفتح والمحبّب في 2018 إلى الاقتناع الدفين بأنه "يُمكن التفاهم معه في أي ملف".
الصحيح أن بوتين ليس هتلر، بل أخطر. النازي كان أسير أيديولوجية عنصرية نابعة من فترة سجنه ورفضه من أكاديمية الفنون في النمسا مرّتين، بالإضافة إلى تدهور وضعه الطبي ولجوئه إلى أنواع عدّة من المسكّنات والأدوية، والتي، بطبيعة الحال، ستؤثر على عقل الإنسان وتفكيره. كان هتلر يعاني من عقدة نقصٍ ما، أودت بألمانيا إلى الجحيم، بالمحارق والمعتقلات والاجتياحات وتجنيد المقاتلين. لذلك كانت نهايته عاصفة. بوتين أكثر خطورةً، ويعلم كيف كانت نهاية هتلر، خصوصاً بعدما عاش فترة في ألمانيا الشرقية، ورافق هبوط السوفييت وصنع صعود روسيا.
لكن السؤال الأهم: هل يستخدم بوتين النووي؟ من غير المستبعد أن يفعلها، لكنه يدرك أن في ذلك إيذاناً بتدخّل عسكري أميركي جديد، للمرة الثالثة في قرنٍ واحد، لإقفال ملفٍّ عالقٍ مع موسكو منذ ثورة البلشفيك في 1917.