بلاك بلوك من الجنّ .. نفاثات في العقد
روى لي صديقي القديم جوان عبر الواتس، من "مملكة روج آفا الستالينية الرأسمالية العظمى"، أنَّ وباءً فشا في الجزيرة، وإنّه أشدّ ضراوةً من فيروس كورونا ووريثه الليلي أوميكرون. ولمّا عجزتُ عن معرفة الوباء، روى لي أنَّ أخاه محمود سطا على حصّته من الميراث، وكانت حصّته سيارة الوالد المرحوم، فتوسّل إليه كي يعيد له نصيبه، ووجّه إليه الشفاعات والوفود، لكنَّ أخاه أبى واستكبر، وزعم أنه الذي شقي وتعب، وهو أوْلى بها، وإخوته جميعًا يعلمون أنَّ الوالد لمّا وزع الميراث، أوصى بالسيارة لجوان، وليس عنده وثائق تثبت حقه، فنصحه أحد المعارف باللجوء غير السياسي إلى الشيخ جبر، وكان الشيخ هندسة، عفوا جبر، شيخ طريقة صوفية، تحوّل إلى السحر بعد قيام مملكة روج آفا التي سيطرت بنفاثات السحر الأيديولوجي المحلي والعالمي على الجزيرة السورية، واستطاع تسخير مرتزقة العفاريت والجان، وحوّل الزاوية إلى عيادة للجراحة الروحية من غير دم ولا مشرط. وله تابعةٌ من الأنس، فلا يحظى أحد بمقابلة الشيخ إلا بعد رسوم قدرها مائة دولار بالعملة الصعبة، وقد ترتفع إلى ألف دولار حسب الحاجة والعقدة والتشخيص.
قال جوان، يا سادة يا كرام: فدخلت عليه، مع علمي أنَّ من قصد ساحرًا فقد كفر وخرج من الدين، وأقنعت نفسي بأني أستعيد حقّي السليب، ورويت للشيخ جبر وهندسة قصتي، فطلب الشيخ جبر سيرة أخيه السالب الناهب الذاتية مرقونة على طلب بالكومبيوتر، فقرأها وشخّص العقدة، ودخل إلى المخبر لإعداد العقَّار وخرج وبيده قارورة صغيرة من حناجير الطِيب، وأوصاني بأن أدسّه لأخي في شرابٍ له، وسيعيد لي سيارتي ووجهه وضّاح وثغره باسم، فبرقت في رأسي حاجتي الأخرى، وهي أولى من السيارة، فزوجتي في ألمانيا لا تُطال، وكلما طالبتها بلمِّ شملي تمنَّعت وتأبّت، وكنت قد رحّلتها إلى ألمانيا مع الأولاد مع مهرّب، بعد أن بذلت له ثلاثين ألف يورو، على أن أخلفهم لرعاية الأرض وتأجير الدار ثم ألحق بها. ويبدو أنها قد ارتاحت مني في ألمانيا، وهي تريد أن أطلقها، فطلبت من الشيخ جبر هندسة، وأنا أحمرّ خجلًا، أن يسعى في تعويذةٍ سحريةٍ يطلق بها جاري "فرمز" زوجته زينة. ولم أكشف له أني لها عاشقٌ وطالبٌ سابق، ففرمز زوجها مقامر، وقد قامر بكل شيء، ولا يعود إلا فجرًا إلى بيته، وزوجته زينة جميلة وحسناء، ناهيك أن بها شبابا وجمالا ولحما وشحما، وكلما رأيتها على باب الفرن مع ولدها، خلطت فيها خلط الجائع بينها وبين الرغيف. وشكت لي جحود زوجها بها، ودعت الله أن يخلصها منه، فبكيت لحالها وحالي، وذكرت للشيخ هندسة خشيتها بأن يقامر بها يومًا. وقلت في نفسي لو طلقها فرمز فأتزوجها، وأجدّد فراشي، وأقول، يا خيل الله اركبي، واستغني عن ألمانيا وما فاتني من دنياي.
دفعت للشيخ جبر وهندسة مائتي دولار، ويبدو أن أجرة الطلاق مضاعفة، فدوّنت على ورقة مرقونة السيرة الذاتية للسيد فرمز، وهو جارنا وزميل دراسة سابق، فدخل الشيخ إلى المخبر، وأحضر لي قارورة، وقال هذا لطلاق زينة، وكتب على قارورة فرمز: فايزر وعلى قارورة أخي محمود: مودرنا، آخذًا من اسميها الحرفين الأولين، حتى لا أخلط بين الزجاجتين.
واستطعت أن أقنع أختي بمكيدتي، فدسّت لأخي الماء المنفوث فيه، في كوب الشاي، فشربه، ودفعتُ بالشربة الثانية لجارتي زينة، فدسّته لجاري فرمز في الليلة نفسها، وقلت لها إن شربها سيبرأ من القمار أو تبرأين من الرجل. وفي صباح اليوم التالي، وجدت جاري فرمز يدقُّ على الباب، ويقول لي: هذا مفتاح سيارتي، اعتبرها سيارتك، فنحن جيران، بل نحن إخوة، ثم علمت بعد أن ركبت سيارة جاري أنَّ أخي طلّق زوجته، وأدركت أن خلطًا وقع بين القارورتين، وازددت عشقًا لزينة، وأخشى أن تكون نفثت لي، فقد صرتُ أشتري دواوين نزار قباني وأحفظ أشعار الحب والغرام، وأسمع عمرو دياب.
اختصرت كثيرا من رواية الكافر جوان، الطريفة والحافلة بالملاحظات، وكان أهمها أنه وجد عيادة جبر مزدحمةً بأصحاب الحاجات، حتى أنه تمنّى أن تفرض الإدارة الذاتية تطعيما ضد الحقوق المنهوبة، وتطعيما للمّ الشمل مع الحبيبة، مكفولا من الجان سنتين.