بؤس خارج الحدث الفلسطيني

04 سبتمبر 2024
+ الخط -

ثمة وجاهة في القول إنّ مجزرة غزة وابتلاع الضفة الغربية وتهويد ما تبقى من القدس، لا توقف الحياة خارج فلسطين، حيث الأحداث تجري في بلدان عربية وتجدر ملاحقتها صحافياً. فمنذ 11 شهراً يشعر واحدنا وهو يتابع تفاصيل الإبادة الفلسطينية وكأن ذهنه محاصَر هناك، نظراً إلى فظاعة الحاصل إنسانياً وسياسياً. في لحظة معينة، يستسلم إلى أن الخبر الفلسطيني قد يكون بلا نهاية في أعمارنا وفي أعمار أولادنا وربما أحفادنا مثلما كان حكماء من جيل النكبة يتنبأون، ويتذكّر أن شعوب العالم متساوية في الحقوق والحريات، أو هكذا يجدُر بها أن تكون. بالتالي، فإنها متساوية في الحقّ بالتغطية الصحافية، وأن للشعوب العربية وبلدانها خارج فلسطين مصائب وطنية خاصة وأخرى عربية مشتركة. يرفع رأسه بالفعل ليرى بنظرة أوسع وإطار مفتوح مشرق العرب ومغربهم، ويا ليته لم يفعل.

أخبار البؤس العربي تشبه قصص شهرزاد لشهريار وقد تحتاج لأكثر من ألف ليلة لكي تُروى. وفي سردها من دون مناسبة، أقصى درجات الملل والفشل في الكتابة، على عكس رواية قصص الكتاب الشهير. أبطال البؤس العربي حكام مجرمون ــ فاشلون ــ فاسدون ــ متسلطون، ولكن أيضاً شعوب شريكة أصيلة في مصابها. شعوب يحب بليدو التفكير وميّالون إلى رمي المسؤولية على الآخر دوماً أن ينزهوهم عن أسباب ما آلت إليه أحوالهم وتفضيل الملاذ الآمن المنافق في رمي كل ما هو سيئ إما على "الزعماء الذين يستغلون الشعب المسكين" أو إضافة ثرثرة أيديولوجية في استحضار الاستعمار والإمبريالية والإسرائيلي والأميركي والتدخل الغربي على ما لا يحتمل حديثاً عن أي من هذا الحشو، كأن تحكم بلداً مثل تونس إهانة تجسدت برجل اسمه قيس سعيّد. أو أن نتابع بكل جدية، في الصحافة مثلاً، أخبار انتخابات الجزائر والأردن وتونس، وأن نترقب مواعيدها في السابع من سبتمبر/ أيلول الحالي والعاشر منه، ثم السادس من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل على التوالي، ونتحدث بكل رصانة عن مرشحين رئاسيين في الحدثين الجزائري والتونسي، ونشرح عن أهمية رفع نسبة مقاعد النواب الحزبيين إلى 41 مقعداً من أصل 138 في الأردن حيث لا قيمة كبيرة للأحزاب بما أن عدد الحزبيين 95 ألفاً في 38 حزباً يشكلون 1.8% من الذين يحقّ لهم الانتخاب حسب وزير الشؤون السياسية والبرلمانية، حديثة الخريشة. الأكثر فداحة أننا نصدق، أو نوحي كأننا نصدق، أخبار انتخابات الجزائر وحملات المرشحَين الإسلامي عبد العالي حساني شريف واليساري يوسف أوشيش، قبل أن نذيّل الخبر بخلفية وكأنها تفصيل تفيد بأن "الانتخابات شبه محسومة لمصلحة الرئيس عبد المجيد تبون". أما تونسياً، فقد انتهى الكلام مع قيس سعيّد المتنقل من انقلاب إلى آخر أمام استسلام ملايين التونسيين للديكتاتورية السهلة من دون ضربة كف. يُستثنى من المستسلمين حفنة من المناضلين الديمقراطيين هم إما محبوسون أو منفيون أو في طريقهم إلى الزنزانة.

أمّا حين يكون المقام مؤاتياً لقول ما يجدر قوله عن التدخّل الخارجي، لكن تحديداً عن التخريب الإيراني لبلدان عربية في لحمتها وطوائفها واجتماعها وديمغرافيتها الحساسة، أكان في العراق أم اليمن أم سورية أم لبنان، تُربط الألسنة غالباً إما خشية من التعرّض لاتهام بالطائفية، بما أن القتل من خلفية مذهبية مسموح به، ولكن تسميته باسمه محظورة، أو لأن عداء إيران لإسرائيل يفرض تكتماً على تفجيرها حروباً أهلية ومشاركة أصيلة فيها، أو أخيراً لأن كل تدخل خارجي مذموم لا بد أن يكون أميركياً فرنسياً بريطانياً إسرائيلياً وإلا فلا يكون تدخلاً بل ترسيخاً لأخوّة الدم كما هو حال إيران وروسيا حين يفظّعان فينا.

أمام هذا الكوكتيل من البؤس العربي، لا يتبقى وقت لمتابعة إبادة لكن أهلية جارية في السودان، ولا لزوال فرقة من البلدان كلبنان وسورية والعراق واليمن عن الخريطة، وللمفارقة جميعها مناطق نفوذ إيرانية، ولا يتوفر مجال للتحسر على ما آل إليه بلد بحجم مصر ووزنها.

هي حقّا منطقة غير صالحة للحياة.