انقلاب الضباع الجائعة
يحكي القيادي العمالي، والنائب اليساري العتيق، البدري فرغلي، في حوار متلفز قصة قانون تم طبخه سريعاً، بعد حادثة السطو على السلطة المنتخبة في الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، بناء على طلب من أسماهم "الوزراء المتمردين"، للحصول على معاشٍ يعادل، في حده الأدنى، 80% من راتب الوزير، حتى وإن كانت مدة خدمته شهراً واحداً.
يكشف البدري الذي كان مع الرجل الذي أعد لهم القانون أن هذا الإجراء، المخالف لكل الدساتير والقوانين والأعراف والتقاليد، تم إعداده على عجل، لإغراء الوزراء بالانخراط في أول حكومة انقلابية، ولكي يقبلوا العمل "في مواجهة العاصفة"، على حد قوله.
أنت هنا أمام دليلٍ فاضح يسقط أية جدارة أخلاقية أو سياسية أو اجتماعية لذلك الذي جرى في ذلك الصيف قبل خمس سنوات، ويضعنا مباشرة أمام مجموعة من القراصنة، خطفوا سلطة ووطناً، وراحوا يتقاسمون الغنائم، مثل أمراء الحروب.
يأخذنا هذا مباشرة إلى جوهر ما جرى، والذي ينحدر في لا أخلاقيته إلى ما دون الانقلابات العسكرية، أو حتى الثورات المضادة، لتكتشف أنك بصدد عملية سطوٍ مسلحٍ وسرقةٍ بالإكراه، جرى تنفيذها لصالح ملوك وأمراء في الخارج، وقام بها مماليك، لقاء أموالٍ تدفقت عليهم بكثافة، مثل حبات الأرز، كما وصفها زعيمهم في تسريبات تسجيلاتٍ شهيرةٍ بينه وبين كاتم أسراره، وهما يتداولان في شأن استدرار مزيدٍ من ممولي العملية.
وليس قرار زيادة رواتب الوزراء والمحافظين، ومضاعفة معاشاتهم، سوى استمرار لتلك الرغبة المسعورة في ارتحاق أموال الدولة حتى آخر قطرة، في مقابل مزيدٍ من سحق عظام غالبية الشعب بالضرائب والغرامات، والكفالات التي باتت تشكل دخلاً، ربما لا يقل عن دخل تفريعة قناة السويس الجديدة، بالنظر إلى تضخّم قوائم المعتقلين والمحبوسين ظلما، على نحوٍ بات عصياً على الحصر والإحصاء.
هنا أنت أمام نوع جديد من الأنظمة، لا نظير له من الأنظمة التي عرفتها كتب التاريخ السياسي، قديمها وجديدها، منذ أرسطو والفارابي وفلاسفة العقد الاجتماعي.
لا يكتفي هذا النظام بالهيمنة على جميع موارد الدولة الطبيعية، والمنح والمساعدات فقط، بل يمارس سطواً وقرصنة على أموال معارضيه وممتلكاتهم، ويسنّ تشريعات المصادرة والاستيلاء، حتى أنه في آخر إحصائية رسمية معلنة في صحف النظام مايو/ آيار 2016، بلغ حجم الأموال التي استولت عليها الدولة، من خلال ما تسمى "لجنة حصر أموال الإخوان" 35 مليار جنيه، إذ نشرت صحف عبد الفتاح السيسي خبراً منسوباً لمصادر اللجنة يقول ".. وذكرت المصادر أن اللجنة حصرت الأموال التى قامت بالتحفظ عليها من قيادات الجماعة الإرهابية، والتي تبلغ نحو 35 مليار جنيه، فضلا عن بعض الأصول والعقارات، ومن بينها مقار الجماعة وحزب الحرية والعدالة والمدارس".
وقبل ذلك، كانت الصحف ذاتها تحتفل بنبأ ضبط نصف مليار دولار في منزل رجل الأعمال الإخواني، حسن مالك، وكل يوم تقرأ عن ملايين من الدولارات تتحفّظ (تستولي) عليها سلطات السيسي من شركات صرافة، تدّعي أنها إخوانية.
قلت سابقاً إن واقع الحال ينطق بأنه في هذه "الدولة اللصة" التي يقودها سربٌ من القراصنة تحولت السجون والمعتقلات إلى مصدرٍ هائلٍ للدخل القومي، يغطي كلفة الإجراءات القمعية في السجون والمعتقلات، وقاعات المحاكم وغرف التحقيق، من تعذيبٍ وإهاناتٍ، ويفيض بما يكفي لزيادة رواتب أجهزة القمع والتنكيل ومكافآتها، وأيضاً إقامة حفلات ومهرجانات، بما تتطلبه من سجاد أحمر ومطربين وراقصات وزمارين وطبالين، يستمتعون بسياحةٍ انقلابية وثيرة، على نفقة المساجين والمعذبين في السجون.
الآن، تجاوزت المسألة المعارضين والمخالفين للنظام، إلى مرحلة افتراس المواطن البسيط، لتغذية العاملين على خدمة مسيرة انقلاب الضباع الجائعة وتسمينهم، على نحوٍ يتفوق على ما تسرده كتب التاريخ عن أعتى عصور الإقطاع السياسي، ثم يأتيك من يحدّثك عن "30 يونيو" بوصفها ضرورة، أو يضعونها، بشطارة تاجر مدلسٍّ، في كفّة واحدةٍ مع ثورة يناير، إلى آخر هذا الهراء المنسكب من أبواق استجابت لإغواء الثورة المضادة، وركبت فوق عربة الانقلاب، حتى قيل لهم إنهم حمولة زائدة فغادروا، وقرّروا المساواة بين القاتل والمقتول في الإدانة، بحثاً عن براءةٍ ليست مستحقةً تماماً.