امتحان صهيوني للمقاومة الفلسطينية
قبل انتشال جثامين الشهداء الفلسطينيين في القصف الصهيوني على أحد أنفاق غزة، مساء الاثنين، سارعت إسرائيل إلى الإعلان عن اتصالات مكثفة تقوم بها القاهرة للسيطرة على ردة فعل المقاومة الفلسطينية على الجريمة.
المعنى أن قاهرة عبد الفتاح السيسي تقوم بدور حائط الصد، أو حامي الحمى الذي يهرع إلى تغطية العربدة الصهيونية، من خلال الضغط على الفلسطينيين، كي لا يردّوا العدوان، وهنا يثور سؤال أساس: هل العملية الإسرائيلية جاءت مصادفة؟ بمعنى هل كانت بمثابة رد فعل عفوي على حادث طارئ؟
من المهم الأخذ في الاعتبار النطاق الزمني الذي وقع فيه الاعتداء، إذ يأتي في أجواء مئوية وعد بلفور المشؤوم، بما يسودها من مشاعر غضب فلسطينية، وإيقاظ لحلم التحرير، خصوصاً مع تلك الفجاجة والفظاظة في تصريحات بريطانية، تعبر عن افتخارها بسرقة فلسطين من أهلها ومنحها للصهاينة.
إذن، أرادت إسرائيل وضع المقاومة الفلسطينية في امتحان إجباري، هو الأخطر والأصعب، بعد أن استجابت "حماس" لضغوط نظام السيسي، وتجرّعت كأس مصالحة فرضتها ظروف الحصار الثنائي الذي يطبق على غزة من ناحية القاهرة، وتل أبيب معاً.
الشاهد أنه، منذ الإعلان عن اتفاق المصالحة الفلسطينية، تسعى إسرائيل إلى إعادة صياغته، بحيث يكون اتفاقاً على التخلي عن مشروع المقاومة، ونزع سلاحها، يدعمها في ذلك حديث محمود عباس، طوال الوقت، عن ضرورة إخضاع سلاح المقاومة لسلطته، بما يعني دمج حركات المقاومة في عملية التسوية التي تحاول الإدارة الأميركية، وأطراف عربية في عجلة من أمرها للتطبيع مع الكيان الصهيوني، فرضها على الفلسطينيين، ضمن سيناريو صفقة القرن.
وبهذا العدوان أخيرا، تريد تل أبيب إلقاء حركة حماس، وحركات المقاومة، في أتون اختبار عصيب، اختارت له زمانه ومكانه، وتنتظر الإجابة، وهو ما يجعل الأمر أقرب إلى الإمعان في ابتزاز الفلسطينيين بورقة المصالحة، فإما مصالحة تتخلص من فكرة المقاومة، وتسقطها من حسابات الفعل ورد الفعل، ومن ثم على "حماس" وأخواتها في المقاومة التزام الصمت، وتجرع علقم ضبط النفس.. أو فاجتياح غزة مجدّداً قائم ووارد، في ظروف شديدة البؤس، تتسابق فيها العواصم العربية على كسب ود إسرائيل، ومد جسور التطبيع معها.
أما وأنه امتحان مفصلي ومصيري للمقاومة، فمن المهم التذكير بفصول المنهج الفلسطيني، كما تم تعديله في وثيقة "حماس" التي أعلنها أخيرا الرئيس السابق للمكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، وبشكل خاص البنود 18-19-20 منها، والتي نصت على:
- يعد منعدماً كلٌّ من تصريح بلفور، وصكّ الانتداب البريطاني على فلسطين، وقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، وكلّ ما ترتّب عليها أو ماثلها من قرارات وإجراءات؛ وإنَّ قيام "إسرائيل" باطلٌ من أساسه، وهو مناقضٌ لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، ولإرادته وإرادة الأمة، ولحقوق الإنسان التي تكفلها المواثيق الدولية، وفي مقدّمتها حقّ تقرير المصير.
- لا اعترافَ بشرعية الكيان الصهيوني؛ وإنَّ كلّ ما طرأ على أرض فلسطين من احتلال أو استيطان أو تهويد أو تغيير للمعالم أو تزوير للحقائق باطلٌ؛ فالحقوق لا تسقط بالتقادم.
- لا تنازلَ عن أيّ جزء من أرض فلسطين، مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط، ومهما طال الاحتلال. وترفض "حماس" أي بديلٍ عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً، من نهرها إلى بحرها. ومع ذلك، وبما لا يعني إطلاقاً الاعتراف بالكيان الصهيوني، ولا التنازل عن أيٍّ من الحقوق الفلسطينية، فإن "حماس" تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة.
وأيضاً، لا بأس من التذكير بكلام خالد مشعل عن المقاومة، حين وصفها بالقول "ليست فقط خيارنا الاستراتيجي، وإنما هي حياتنا وهي روحنا".
هل تواجه "حماس" الامتحان، أم تتجاهله، أم تطلب التأجيل؟ أم تستعين بالمراقب (السيسي)، وتكتب ما يمليه ؟