26 أكتوبر 2024
اليمن.. تفكيك الحرب بالحيلة
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
تدخل المحادثات بين أطراف الأزمة اليمنية في الكويت، قريباً، شهرها الثاني من دون التوصل إلى اتفاق سلام، أو أي إنجاز ملموس على هذا الطريق، الأمر الذي أخذ يطرح أسئلة حول جدوى استمرارها، بل بات القطاع الواسع من اليمنيين والمراقبين يشكّك في جدّيتها، ويصفها بالعبثية، ولا يأمل منها حلاً سريعاً للموقف.
وعلى الرغم من أن المباحثات لم تكلّل حتى اليوم باتفاق سلام، إلا أنها لا يمكن أن تكون مباحثات من أجل المباحثات فقط، ولا بد أن تقدّماً حصل في مكانٍ ما، وبفضله لا يزال المتفاوضون يواصلون العملية التي أرادها مبعوث الأمم المتحدة، إسماعيل ولد الشيخ، أن تكون بعيدة عن الإعلام في صورة نهائية. وعلى الرغم من أن ولد الشيخ لم يقاطع وسائل الإعلام، ولم يمنع المتحاورين من التواصل معها، إلا أنه ظل يتحدّث إليها بحذرٍ مدروس. لم يُفرط في التفاؤل، ولم تبدر عنه علامات تشاؤم، واللافت أن هذه الروحية أصابت المتحاورين اليمنيين بعدوى ذات مفعول إيجابي، أبقت على أرضية الحوار قائمةً، وسمحت للأبواب أن تظلّ مفتوحةً، على الرغم من حصول بعض الصدمات القوية التي كان يمكنها أن تعيد الموقف إلى نقطة الصفر، مثلما حدث في الجولة الأولى التي انعقدت في جنيف، في نهاية العام الماضي. وكان واضحاً يومها أن المباحثات لم تكن سوى مواصلةٍ للقتال على الأرض، وليست بنيّة التوصل إلى اتفاق سلامٍ يضع حداً للحرب. ولذلك، سكن الوفدان في فندقين متباعديْن، ولم يجلسا على طاولةٍ واحدةٍ أو يتقابلا وجهاً لوجه، طوال جولة المفاوضات، وفي المرات القليلة التي تقاطعت بهم الطرق كادت أن تقع بينهم اشتباكاتٌ بالأيدي، بل حصل أن قامت صحافية عدنية بقذف أحد أفراد الوفد الحوثي بفردة حذائها في أثناء مؤتمر صحافي.
حين ذهب الطرفان إلى الكويت، في النصف الثاني من أبريل/ نيسان الماضي، لم يكن التفاؤل هو السائد، بسبب أن المعارك كانت في أشدّها. ولكن، كانت هناك حاجة ملحة للتفاوض، وتعبيراً عن ذلك، تم الاتفاق على أجندة إنسانية، تبدأ بالهدنة، وتبادل الأسرى لدى الطرفين. وبدلاً، من أن يتم تنفيذ هذين البندين بيسرٍ وسهولةٍ، احتاجا إلى وقت وجهد وجلسات تفاوضات ماراثونية، ولم يتحقّق شيء ملموس، باستثناء دخول المساعدات الإنسانية إلى بعض المناطق المحاصرة، وتراجع حدّة القتال في بعض الجبهات، إلا أنه بقيت جبهة تعز الوحيدة المشتعلة بقوة، بينما ظلت مواقع المتحاربين ثابتة، ولم يُحقّق أيٌّ منهما تقدماً ميدانياً ضد الآخر، وهذا أمر له مغزى، ويعبّر في العمق عن رغبة الطرفين في عدم إحداث تغيير في موازين القوى على الأرض، لئلا ينعكس ذلك سلباً على سير المباحثات.
انطلق منهج إسماعيل ولد الشيخ من قاعدة إبقاء المباحثات مفتوحةً حتى إشعار آخر، ورفع شعار ممنوعة العودة من الكويت بإعلان فشل، حتى لو يتم التوصل إلى اتفاق سلام، ويمكن أن ينسب لهذا المنهج أنه حقّق نجاحاً مهماً. ففي موازاته، كان الرهان على الحسم العسكري يتراجع لدى جميع الأطراف، وتبين، بعد شهرين من المباحثات، اتساع رقعة المساحة فوق طاولة التفاوض، وتراجعها على أرض القتال. أدرك ولد الشيخ أن انتزاع اتفاقٍ مكتوبٍ يُنهي الحرب في هذه الفترة ضرب من المحال. ولذا، لجأ إلى تكتيكٍ جديد، وسار على طريق آخر، بالالتفاف على عقدة الموضوع، وهي الحرب، فعمل على مراوغتها والتحايل عليها. وبما أن "الحرب خدعة"، فلماذا لا يكون السلام كذلك؟ عدا عن أن السلام لا يأتي بالضرورة حصيلة نهائية للمفاوضات، وإنما يمكنه أن يكون نتيجة لتفكيك الحرب بالحيلة، وهو أمر لا يبدو أنه بعيد المنال.
وعلى الرغم من أن المباحثات لم تكلّل حتى اليوم باتفاق سلام، إلا أنها لا يمكن أن تكون مباحثات من أجل المباحثات فقط، ولا بد أن تقدّماً حصل في مكانٍ ما، وبفضله لا يزال المتفاوضون يواصلون العملية التي أرادها مبعوث الأمم المتحدة، إسماعيل ولد الشيخ، أن تكون بعيدة عن الإعلام في صورة نهائية. وعلى الرغم من أن ولد الشيخ لم يقاطع وسائل الإعلام، ولم يمنع المتحاورين من التواصل معها، إلا أنه ظل يتحدّث إليها بحذرٍ مدروس. لم يُفرط في التفاؤل، ولم تبدر عنه علامات تشاؤم، واللافت أن هذه الروحية أصابت المتحاورين اليمنيين بعدوى ذات مفعول إيجابي، أبقت على أرضية الحوار قائمةً، وسمحت للأبواب أن تظلّ مفتوحةً، على الرغم من حصول بعض الصدمات القوية التي كان يمكنها أن تعيد الموقف إلى نقطة الصفر، مثلما حدث في الجولة الأولى التي انعقدت في جنيف، في نهاية العام الماضي. وكان واضحاً يومها أن المباحثات لم تكن سوى مواصلةٍ للقتال على الأرض، وليست بنيّة التوصل إلى اتفاق سلامٍ يضع حداً للحرب. ولذلك، سكن الوفدان في فندقين متباعديْن، ولم يجلسا على طاولةٍ واحدةٍ أو يتقابلا وجهاً لوجه، طوال جولة المفاوضات، وفي المرات القليلة التي تقاطعت بهم الطرق كادت أن تقع بينهم اشتباكاتٌ بالأيدي، بل حصل أن قامت صحافية عدنية بقذف أحد أفراد الوفد الحوثي بفردة حذائها في أثناء مؤتمر صحافي.
حين ذهب الطرفان إلى الكويت، في النصف الثاني من أبريل/ نيسان الماضي، لم يكن التفاؤل هو السائد، بسبب أن المعارك كانت في أشدّها. ولكن، كانت هناك حاجة ملحة للتفاوض، وتعبيراً عن ذلك، تم الاتفاق على أجندة إنسانية، تبدأ بالهدنة، وتبادل الأسرى لدى الطرفين. وبدلاً، من أن يتم تنفيذ هذين البندين بيسرٍ وسهولةٍ، احتاجا إلى وقت وجهد وجلسات تفاوضات ماراثونية، ولم يتحقّق شيء ملموس، باستثناء دخول المساعدات الإنسانية إلى بعض المناطق المحاصرة، وتراجع حدّة القتال في بعض الجبهات، إلا أنه بقيت جبهة تعز الوحيدة المشتعلة بقوة، بينما ظلت مواقع المتحاربين ثابتة، ولم يُحقّق أيٌّ منهما تقدماً ميدانياً ضد الآخر، وهذا أمر له مغزى، ويعبّر في العمق عن رغبة الطرفين في عدم إحداث تغيير في موازين القوى على الأرض، لئلا ينعكس ذلك سلباً على سير المباحثات.
انطلق منهج إسماعيل ولد الشيخ من قاعدة إبقاء المباحثات مفتوحةً حتى إشعار آخر، ورفع شعار ممنوعة العودة من الكويت بإعلان فشل، حتى لو يتم التوصل إلى اتفاق سلام، ويمكن أن ينسب لهذا المنهج أنه حقّق نجاحاً مهماً. ففي موازاته، كان الرهان على الحسم العسكري يتراجع لدى جميع الأطراف، وتبين، بعد شهرين من المباحثات، اتساع رقعة المساحة فوق طاولة التفاوض، وتراجعها على أرض القتال. أدرك ولد الشيخ أن انتزاع اتفاقٍ مكتوبٍ يُنهي الحرب في هذه الفترة ضرب من المحال. ولذا، لجأ إلى تكتيكٍ جديد، وسار على طريق آخر، بالالتفاف على عقدة الموضوع، وهي الحرب، فعمل على مراوغتها والتحايل عليها. وبما أن "الحرب خدعة"، فلماذا لا يكون السلام كذلك؟ عدا عن أن السلام لا يأتي بالضرورة حصيلة نهائية للمفاوضات، وإنما يمكنه أن يكون نتيجة لتفكيك الحرب بالحيلة، وهو أمر لا يبدو أنه بعيد المنال.
دلالات
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر