اليمن: المُتدخّلون وبعث علي عبدالله صالح

17 اغسطس 2024
+ الخط -

أعلنت لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن، المُشكّلة بموجب القرار 2140 لعام 2014، في 30 يوليو/ حزيران الماضي، إزالةَ اسم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، واسم نجله العميد أحمد علي، من لائحة العقوبات التي تتضمّن زعيم جماعة الحوثي وعدة قيادات عسكرية تابعة للجماعة. وتأتي أهمّية القرار الذي وُضِعَت اليمن بموجبه تحت البند التاسع، وصاغ، إلى حدّ كبير، معادلة الحرب بإسقاط التقييدات القانونية، وأشكال الحظر على الرئيس صالح ونجله أحمد، وهو ما يعني في ضوء أجندة المتدخّلين خطوةً ربّما لإعادة أسرة صالح إلى المشهد السياسي، وأيضاً تكريس حزب المؤتمر الشعبي العام.

لدوافعَ مختلفةٍ، شكّلت إعادة أُسرة الرئيس السابق إلى السلطة الخيارَ المثالي للفاعلين الدوليين والإقليميين في اليمن، وإذا كان شمول صالح ونجله العميد أحمد في لائحة العقوبات الأممية قد قيّد القوى الغربية، فإنّ المُتدخّلين الإقليميين لجأوا إلى خيارات بديلة، وتحديداً الإمارات، فعلى الرغم من أنّها ظلّت تعقد آمالها على أحمد نجل صالح (السفير السابق لليمن في الإمارات والمقيم في أراضيها) مُرشّحاً مثالياً للسلطة في اليمن، فإنّها تبنّت دعم العميد طارق عبد الله صالح (ابن أخي صالح)، وفرضته قوّةً عسكريةً ضاربةً في الساحل الغربي، بجانب إعادة صياغتها للسلطة الشرعية بالتوافق مع السعودية، وتشكيل "المجلس الرئاسي"، الذي منح العميد طارق وحزب المؤتمر الشعبي (جناح صالح) مشروعيةً سياسيةً. بيد أنّ مخاوف الإمارات من أزمة مشروعية وراثة صالح مستقبلاً جعلتها تنوّع خيارتها، وذلك بتصعيد نجله الأصغر العميد عمّار، الذي أصبح في العامَين الأخيرَين قوّةً متناميةً، وإن ظلّ ينشط في الظلّ، مقابل تصدّر طارق الواجهةَ العسكرية والسياسية. في موازاة ذلك، واصلت جهودها السياسية لرفع العقوبات الدولية عن العميد أحمد، الابن البكر لـصالح، والذي ظلّ للإمارات الخيارَ الأفضلَ والوريثَ الشرعيَّ لوالده، وإذا كان حرص القوى الدولية على تثبيت الوضع القائم في اليمن قد أعاق جهودها، فإنّ استمرار اختلال موازين القوى لصالح جماعة الحوثي محلّياً، وأيضاً تصاعد هجماتها على الملاحة في البحر الأحمر، وتحوّلها قوةً عسكريةً فاعلةً في محور المقاومة الإسلامية، دفع كلّا من الولايات المتّحدة وبريطانيا أخيراً إلى شطب صالح ونجله من قائمة العقوبات، بهدف رفع التقييدات عن نشاطه السياسي، ومن ثمّ تحسين فرص معسكر خصوم الجماعة، فيما تُراهن الإمارات على تمكين نجل صالح من لعب دور سياسي في المستقبل، كما أنّ رفع التقييدات القانونية عن مؤتمر صالح يتيح لها، مع تعدّد وكلائها في جنوب اليمن وشماله، تكريسَ نفوذها ومصالحها، إضافةً إلى أنّ إعادةَ أسرة صالح إلى الواجهة السياسية يعني، في ضوء تدخّلاتها في البلدان العربية لإعادة أنظمة ما قبل "الربيع العربي"، تتويجاً لاستراتيجيتها قوّةً مناهضة للثورات.

إزالة اسم علي عبدالله صالح واسم نجله أحمد من لائحة العقوبات قد تعني خطوةً لإعادة أسرة صالح إلى المشهد السياسي

ولانخراطها في الصراع أسرةً حاكمةً، كان لإدراج الرئيس صالح ونجله أحمد في قائمة العقوبات تبعات عديدة عليها، وعلى شعبيّتها، إذ إنّ فرضهما طرفين معرقلين للعملية السياسية، إلى جانب زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، وآخرين، قوَّض السردية التي يتبنّاها صالح بانياً اليمن الحديث، وصانعَ منجزاته، ومن ثمّ تحميلهما شعبياً وزر الانقلاب ثمّ الحرب، إلى جانب التقييدات القانونية التي طاولت أسرةَ صالح من تجميد أرصدة في الخارج، وإن كانت أموال اليمنيين، إلى حظر نشاط نجل صالح. ومع أنّ تصدّع أسرة صالح كان بعد مقتله بيد جماعة الحوثي، فإنّ استمرار إدراج صالح ونجله في قائمة العقوبات عزّز من عزلهما سياسياً، على الرغم من تنامي دور العميد طارق في معسكر خصوم الجماعة، الذي أعاد أسرة صالح إلى الواجهة، إلّا أنّه غيّر تراتبية الوجاهة السياسية والاجتماعية لأسرة صالح، وذلك ببروز فرع آخر في الأسرة، وتواري ورثة صالح المباشرين، لذلك فإنّ رفع العقوبات عن صالح ونجله يعني إعادةَ اعتبارٍ لصالح، في الأقلّ بالنسبة لأنصاره وأسرته، وذلك باستبعاده من جرمية المشاركة في الانقلاب والحرب، ومن جهة ثانية، وبعيداً عن الدور الوظيفي لأسرة صالح وثقلها في الحياة السياسية، فإنّ دورها السياسي يتأتّى من إرث السلطة وتاريخ صالح نفسه، الذي يُشكّل في المجتمعات التقليدية، ومنها اليمن، عاملاً في كسب ثقل سياسي، والذي يراهن عليه أنصار العميد أحمد بعد رفع العقوبات عنه، كما أنّ الحنين الماضوي لحقبة صالح، الذي خلقته حالة اللايقين التي يعيشها المجتمع اليمني جرّاء الحرب وانحلال الأحزاب السياسية وتسيّد القوى الماضوية من الجماعات الدينية والكيانات الجهوية، يعضد من الفرص السياسية لأسرة صالح، وفي هذه الحالة العميد أحمد علي، إذ إنّ رفع العقوبات الأممية ألغى أشكال الحظر والتقييد القانوني في حقّه، وبالتالي تمكينه من مزوالة نشاطه السياسي، كما أنّ تبنّيه سياسةَ الحياد أكثر من عقد من الصراعات في اليمن، سواء مع القوى السياسية أو مع جماعة الحوثي، التي قتلت والده، يجعله متخفّفاً من عبء دفع ثمنها، ومن ثمّ، وفي ضوء تغيّر مواقف القوى اليمنية، وتغير ولاءاتها، قد يصبح مُرشَّحها لرئاسة اليمن.

تبنّي أحمد علي سياسةَ الحياد، سواء مع القوى السياسية أو مع جماعة الحوثي التي قتلت والده، يجعله مُرشَّحاً لرئاسة اليمن

تتعدّد أوجه العلائقية بين حزب المؤتمر الشعبي العام وأسرة صالح التي تمتد من تأسيسه على يد صالح والاعتماد على ثقله رئيساً في السلطة سابقاً، إلى إسناد الحزب سياسيا وشعبياً من خلال مركزية صالح في المؤتمر، وأيضاً أسرته فيما بعد، فأدّى ذلك إلى ترابط مصيرهما السياسي، ومستقبلهما. وإذا كان مقتل صالح أدّى إلى تشظّي المؤتمر فروعاً عديدة، من مؤتمر صنعاء إلى المؤتمر في المناطق الخاضعة للمجلس الرئاسي، ناهيك عن تباين أجندتيهما السياسية، فإنّ تبعات إدراج صالح ونجله العميد أحمد في قائمة العقوبات الأممية انعكست على حزب المؤتمر بشكل عام، وأيضاً على فروعه، وعلى أشكال التقييدات التي يخضع لها، سياسياً، وقانونياً، وشعبياً. فمن جهة، ظلّ بقاء صالح ونجله في قائمة العقوبات، إلى جانب زعيم جماعة الحوثي وقياداتها، يربطهما قسرياً إلى تحالف سياسي، وإن تصدَّع في الواقع، ومن ثمّ يُعوق انفكاك مُؤتمر صنعاء من رباط الجماعة. في المقابل، فإنّ فروعَ المؤتمر في المناطق الخاضعة للمجلس الرئاسي، وإن تجاوزت أشكال التقييد المتأتية من شمول صالح ونجله في لائحة العقوبات، والعودة إلى المشهد السياسي، فإنّ بقاءهما في لائحة العقوبات ظلّ يقوّض شرعية المؤتمر قوّةً مناهضة لمشروع جماعة الحوثي، ويعوق إلى حدّ كبير من نشاطه السياسي، وتوسيع شعبيّته، وذلك بتحميل صالح ونجله، إلى جانب جماعة الحوثي، المسؤوليةَ السياسية والعسكرية عن إسقاط صنعاء ومؤسّسات الدولة، وتأجيج الصراع في اليمن. كما أنّ حظر نشاط نجل صالح أفقد قطاعات المؤتمر، التي تولي أهمية لتقاليد الوراثة والمشروعية في أسرة صالح، القدرة في إسناد العميد أحمد ثقلاً سياسياً وشعبياً يُعزّز من رصيد المؤتمر، وربّما يُوحّد أجنحته المتصارعة، ولذلك فإنّ تواري نجل صالح في مقابل تصعيد طارق لم يُحسّن موقع المؤتمر وتقبله لوضعية طارق، ودوره السياسي والعسكري، من افتقاره لشرعية تمثيل صالح، إلى مساهمته بتفتيت المؤسّسة العسكرية الرسمية، إلى تنفيذ أجندة الإمارات، والأهم تقويض الأطر التنظيمية للمؤتمر بتشكيل كيان سياسي بديل، استقطب قواعد المؤتمر، إلى جانب أنّ استمرار بقاء صالح ونجله في قائمة العقوبات ظلّ يُتيح للقوى المنافسة للمؤتمر، وتحديداً القوى السياسية في المناطق الخاضعة للمجلس الرئاسي، ضرب شعبيته من خلال الاشتغال على جزئية مشاركته حزباً، من خلال صالح ونجله، في الانقلاب، بمعية الجماعة، والطعن بمشروعية انضوائه في سلطة المجلس الرئاسي، ومن ثمّ فإنّ شطب صالح ونجله من لائحة العقوبات يعني لحزب المؤتمر تدشين مرحلة جديدة من زوال التبعات القانونية لتحالفه مع الجماعة، ومن ثمّ تحرّره سياسياً من تقييدات العلاقة، وأيضاً العقاب، والمسؤولية، إلى جانب أنّ رفع الحظر عن أهم رموز في أسرة صالح يعني تعزيز مركز المؤتمر أمام القوى المنافسة له، سواء الجماعة أو القوى الأخرى، إضافةً، وهو الأهم، إلى أنّ رفع العقوبات عن العميد أحمد، نجل صالح يعني، وفق تنظيرات قيادات المؤتمر وسرديته الشعبية، فرصةً لاستعادة أحلام الوراثة وحكم اليمن، إلا أنّه، وبعيداً عن الدور المستقبلي الذي سيلعبه المؤتمر، وأسرة صالح، وتأثير ذلك في المشهد السياسي، فإنّ الأكيد أنّ رفع العقوبات عن صالح سواء اختلفنا أو اتفقنا معه لا يعني تغيير أحداثٍ فاصلةٍ في التاريخ اليمني، وبالطبع غسل جرائم المنتهكين.