النووي السعودي
هل تحتاج السعودية برنامجاً نووياً لإنتاج الطاقة؟ وهل حاجتها إذا وُجدت تستلزم مقايضةً ثقيلةً مع الولايات المتحدة، تقوم على التطبيع مع إسرائيل مقابل تطوير برنامج نووي بشروط الرياض، وبعضها متعذّر؟ أم أن الأمر برمّته تحايل وتهرّب من الضغوط الأميركية، ويبدو أنها متواصلة، لدفع السعودية إلى الانضمام إلى ما يمكن وصفها بالكتلة الإبراهيمية، وهي عملياً إنجاز ترامبي لا علاقة له من قريب أو بعيد بواقع الصراع الحقيقي في المنطقة، فالقفز من فوق الفلسطينيين وحقوقهم للإيحاء بأن السلام قد تحقّق في المنطقة تثبت كل يوم إخفاقاته مع كل توغّلٍ إسرائيليٍّ في الضفة الغربية أو عملية فدائية يقوم بها شاب فلسطيني، ما يعني أن إدارة بايدن تأخذ من سابقتها أسوأ ما فعلت في ما يتعلق بجوهر الصراع وسبل مقاربة الحلول المقترحة له.
وإذا كان هذا شأن إدارة بايدن، فإن انشغالات الرياض في انعاطفاتها الأخيرة: التوجّه إلى الصين، والتقارب مع روسيا، بل والاتفاق مع إيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية برعاية بكين، وإعادة العلاقات مع سورية، وخفض إنتاج النفط، أمور تؤكّد، في ظاهرها على الأقل، أن سياسات السعودية "الجديدة" لم تعد مرهونةً برغبات واشنطن تماماً كما كانت خلال عقودا طويلة.
السعودية من كبار منتجي النفط في العالم، وهي دولةٌ ثرية، وحاجتها، في رأي خبراء كثيرين، للطاقة النظيفة وليس النووية، بل إن دولا تعتمد على المفاعلات الذرية لإنتاج الطاقة بدأت بالتخلّي عنها، والتوجّه إلى مصادر الطاقة المتجدّدة، وهذه أقلّ كلفة وأكثر جدوى وأماناً، فدول مثل سويسرا وإسبانيا وبلجيكا قرّرت التخلص تدريجياً من الطاقة النووية، واليابان قلّصت اعتمادها على الطاقة النووية بعد التسرّب النووي في فوكوشيما عام 2011. وتفيد الدراسات المتخصصة بأن كلفة إنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية أو الرياح أقل بنحو 40% من كلفة إنتاجها بالطاقة النووية، فهل السعودية غافلةٌ عن هذه التطورات؟ لا أظن، إلا إذا كان الهدف من برنامجها النووي مختلفاً، وهو بالتأكيد ليس إنتاج الأسلحة النووية، فالرياض تعرفُ، قبل غيرها، تعذّر ذلك عليها، فلا الولايات المتحدة ستسمح ولا إسرائيل، والظنّ أنها تسعى إلى التلويح بذلك ليس أكثر، إذا كانت جادّة في برنامجها النووي، أو أنها تسعى إلى تجنّب الضغوط الأميركية لتقديم تنازلاتٍ مجانيةٍ لإسرائيل، وهي، في كل الأحوال، لن تقدّم هدية ثمينة، مثل التطبيع مع إسرائيل، إلى إدارة بايدن، كما قال سعوديون يستبعدون فكرة التطبيع، ما لم يُربط بإنجازٍ كبيرٍ لصالح الفلسطينيين.
ليس في صالح السعوديين، لا اليوم ولا غداً، طرح ملفّ برنامجها النووي المدني في صفقة سياسية، فالطاقة النووية للأغراض السلمية حقٌّ لا خلاف عليه، ولدى دول عربية أخرى برامج نووية، مثل المغرب ومصر والأردن والإمارات، وهي أقربُ إلى العبء على هذه الدول، وفي أفضل الأحوال تلبي رغبة سيكولوجية تتعلق بصورتها أكثر منها واقعية لهذه الدول بأنها جزء من نادي الدول النووية السلمية لغايات إنتاج الطاقةً؛ فلماذا نفاوض من أجل تحقيق ما هو مسموحٌ أصلاً؟ ولماذا نُغامر بثقل السعودية في المنطقة والعالم الإسلامي لإنجازٍ يصبّ في صالح إسرائيل التي لن تسمح، في أي حال، للرياض أو سواها ببرامج نووية عسكرية، والتي ترفض فعلياً حل الدولتين؟ والظن أن السعودية الجديدة تدرك ذلك، رسمياً على الأقل.
تقدمت الرياض في العام 2002 بما سُميت مبادرة السلام العربية، وتقوم على إنشاء دولة فلسطينية مقابل السلام الشامل والتطبيع العربي مع إسرائيل. وبعد عقدين، انتهى الأمر بالدول العربية إلى التطبيع وإلى الموت السريري لحلّ الدولتين، وإرساء معادلة نتنياهو للحل، السلام مقابل السلام، فلا أرض ستعود ولا دولة فلسطينية ستنشأ، بل توسيع لحقل اصطياد الدول العربية وجرّها إلى علاقات مجانية مع إسرائيل، واستغلال مخاوف هذه الدولة أو تلك من إيران أو جارتها العربية للارتماء في حضن القشّ الإسرائيلي، وعلى السعودية التي أعادت علاقاتها مع إيران أن تتحرّر من لعبة الإيهام الإسرائيلية والضغط الأميركي، فلا هي مضطرّة للحرب مع إيران حتى تُستَغَلَّ أو تسمح للآخرين باستغلالها، ولا لبرنامج نووي مدني قد يكون ثمنُه السياسي من جيوب الفلسطينيين قبل الشعب السعودي نفسه.