ماذا تعرف هان كانغ عن غزّة؟
لم تذهب جائزة نوبل للسلام إلى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، كما كان بعضنا يأمل، كما لم تُمنح للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، فكلاهما يذكّران العالم بغزّة، وهو ما لا يرغب به كثيرون.
ذهبت الجائزة إلى منطقة منسيّة، وإلى منظمّة يابانية لا نعرف مدى تأثيرها، وما إذا كان يتخطى حدود بلادها، خاصة أنها تُعنى بعالمٍ خالٍ من الأسلحة النووية، ولا يُعرَف كيف لمنظمة هذا شأنها أن تفلح في تحقيق أهدافها في وقتٍ لم تبق فيه دولة كبيرة لم تحُز سلاحاً نووياً، بما فيها كوريا الشمالية، وهي ليست كبيرة بل فقيرة، مقذوفة خارج العصر، ولا تُعرَف سوى بترسانتها النووية وزعيمها كيم جونغ أون الذي ما زال يسافر بالقطار، ويُعدِم رجالاته إذا أخفقوا بالمدفعية، أي أنه ليس مضطرّاً للسلاح النووي ويكتفي بالتهديد به، كما لا يحتاج إلى الطاقة النووية في قطاره الذي استغرق 65 ساعة للوصول إلى هانوي (فيتنام)، حين التقى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2019.
وإذا كانت ثمّة أهمية من نوع ما لفوز تلك المنظمّة اليابانية لدى قطاع من الناس في منطقتنا فهي في أن أحد مسؤوليها ذكّر العالم بغزّة في أعقاب الفوز، وبأن وضعها الحالي يشبه وضع بلاده قبل 80 عاماً، في إشارة إلى الدمار العميم الذي لا يشبهه سوى ذلك الذي ينجُم عن استخدام السلاح النووي، وهو الحد الأقصى من القوة والقدرة على التدمير الذي عرفته البشرية في تاريخها.
وإنه لأمرٌ حسنٌ أن تُذكر غزّة وأن يتكرّر اسمها في كل محفل عالمي، وهو ما حدث مرّتين في الأيام القليلة الماضية مقترناً بجوائز نوبل، فالثانية نُسبت إلى هان كانغ، الروائية الكورية الجنوبية الشابة (54 عاماً)، التي حازت نوبل للآداب عن "نثرها المكثّف الذي يواجه الصدمات التاريخية، ويكشف هشاشة الحياة البشرية". فبحسب والدها، وهو روائي أيضاً، رفضت الاحتفال بالفوز بالجائزة، كما رفضت عقد مؤتمر صحافي، وأبلغته بأنه لا يستقيم أن تحتفل في ظل حروب ضارية بين روسيا وأوكرانيا وإسرائيل والفلسطينيين، وسقوط قتلى كل يوم هنا وهناك، فهل تعرف هان كانغ الفلسطينيين؟ وهل تناهت إلى أسماعها أخبار قطاع غزّة؟
في كتابه "مدن فاتنة وهواء طائش" الصادر عام 2005، يورد القاص والكاتب الفلسطيني المبدع والكبير محمود شقير وقائع تعرّفه إلى كانغ، صاحبة الرواية الفاتنة "النباتية"، قبل أزيد من رُبع قرن، فقد التقى الكاتبان عام 1998 خلال مشاركتهما في برنامج للكتابة الإبداعية في جامعة إيوا الأميركية. ... يصفها شقير بالمرأة النحيلة، دائمة الحركة مثل فراشة، وكانت في الثامنة والعشرين من عمرها آنذاك، أي قبل شهرتها وتمرّسها في الكتابة الروائية. تجوّلا معاً وجلسا في بعض المقاهي، وذهبا مشياً إلى المكتبات القريبة، بل ووصل الأمر بالكاتبة الشابة آنذاك حدّ وضع قصيدة لها مترجمة إلى الإنكليزية تحت باب غرفته، ولاحقاً قصةً قصيرةً له ترجمتها إلى الكورية تحت الباب نفسه، بما يعني معرفتها الجيّدة به وبنصوصه، وبأنه فلسطيني قادم من تلك البلاد التي لم تعرف في تاريخها سوى الأنبياء الذين يتجوّلون في طرقاتها، والحروب التي تندلع للسيطرة على كنائسها ومساجدها.
يتحدّث شقير بإيجاز عن مجموعة قصصية لها بعنوان "فواكه امرأتي" أهدته نسخة منها، وفيها قصة عن زوجٍ يسرد تحوّلاتٍ طرأت على زوجته، ومنها ظهور علامات سوداء على جسدها قبل أن تتحوّل إلى شجرة، ما يُحيل إلى روايتها "النباتية" التي كتبتها لاحقاً (صدرت بالكورية عام 2007)، وصنعت مجدها الأدبي وشهرتها، ما يذكّر بهيمنة ثيمات محدّدة على بعض الكتّاب، حتى تخالهم لا يكتبون سوى نص واحد يتوزّع على روايات عدة.
حدّثها شقير عن مآسي الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، فأبدت تأثّرها. وما يحتاجه الغزّيون، وهم فلسطينيون، أكثرَ من التأثر العابر أو حتى رفضها (هان كانغ) الاحتفال بنوبل بسبب سقوط "قتلى" في القطاع، على أهمية ذلك بل رمزيته. ما يحتاجونه منها ومن كتّاب العالم أن يكتبوا "الآن" عن النسخة الثانية من الهولوكست في غزّة، وعن هيروشيما الثانية التي تموّل قصفها وإبادة ناسها الدولةُ نفسها التي قصفت اليابان بالقنابل النووية.