المقدّمات تحيل على النتائج

25 اغسطس 2024
+ الخط -

لم يبقَ أمام الذين قرّروا في تونس منافسة الرئيس قيس سعيّد في الانتخابات الرئاسية، ورفضت هيئة الانتخابات ترشّحهم، سوى اللجوء إلى القضاء. ورغم ثقة عموم التونسيين بالمحكمة الإدارية التي لم تشملها القرارات الخاصة بـ "تطهير الأجهزة القضائية"، إلا أن الأجواء تسودها شكوكٌ وريبةٌ من كل شيء، فملف التزكيات الخاصة بالمرشّحين تحوّل إلى أشبه بلعبة المتاهة التي ما إن تنخرط فيها حتى يصيبك الدوران، وتشعر بالضياع والتورّط في مصيبة قد تحلّ بك في كل لحظة، من بينها السجن والحرمان من الترشّح للانتخابات مدى الحياة!

لافتٌ للنظر أنه عندما جرى الشروع في قضية "التآمر على أمن الدولة" اعتمد المحامون في دفاعهم عن الموقوفين على الجوانب الإجرائية التي تضمّنتها القوانين لحماية حقوق منظوريهم، عندها لجأ الخطاب الرسمي إلى التقليل من أهميتها ووصفها بالشكليات التي لا جدوى منها، ودعا إلى تقديم المقاصد على النصوص. ثم عندما تعلق الأمر هذه المرّة بممارسة الحق في الترشّح لرئاسة الجمهورية جرت المبالغة في اعتماد كل الجوانب الشكلية من أجل إسقاط المنافسين، وهو ما حوّل هذه المناسبة إلى مجموعة طرائف غير مسبوقة. في حين يتمسّك رجال القانون بضرورة اعتماد المرونة في التعامل مع الجوانب الإجرائية وتقديم المقاصد الكبرى للعملية الانتخابية، من دون التغاضي عن الخروق الكبرى التي نصّت عليها القوانين الدولية، مراعاة للظروف المعقّدة والخطيرة التي تمرّ بها البلاد.

تتّضح الأمور في الأسبوع المقبل، ويصدر المجلس الموسّع لقضاة المحكمة الإدارية حكمهم النهائي، سواء في ما يتعلق باجتهادات زملائهم، أو ما أورده المرشّحون من أدلّة ومعطيات. وستكون لتلك الأحكام أهمية كبرى في تاريخ القضاء التونسي، كذلك ستكون له تداعيات تاريخية على مستقبل الديمقراطية التونسية، فإن جاءت الأحكام مؤيدة لما ذهبت إليه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فسيُفهم من ذلك وضع حد نهائي لمسار الانتقال الديمقراطي. إن جاءت الأحكام خلافاً لذلك، سيتحوّل المشهد كلياً، إذ حينها سترفع القيود، وسيتشكّل رأيٌ عام مختلف. وقد تكون نتائج 6 أكتوبر مغايرةً تماماً لما خُطِّط له، إذ سيعود مرشّحون عديدون إلى حلبة المنافسة، لتكتسب بذلك الانتخابات بعض خصائصها المهدّدة حالياً.

الانتخابات المقبلة مهدّدة أيضاً بقراراتٍ أخرى، ستزيد من تقليل مصداقيتها. هناك جمعيات أُعلِمَت بأنها لن تشارك في عملية المراقبة، ومنها "أنا يقظ"، بحجّة أنها "غير محايدة". كذلك لن يُسمح لبعض الصحافيين ووسائل إعلام بتغطية الحدث، وهو ما دفع نقابة الصحافيين إلى التحذير من مناخ يسودُه "الترهيب وإصدار الأحكام السالبة للحرية في حقّ صحافيين ومدوّنين"، وهي قرارات من شأنها أن تعمّق الشكوك في الانتخابات الرئاسية والجدوى منها، فالشفافية شرط أساسي من شروط ديمقراطية الانتخابات ونزاهتها.

لا تبشّر كل هذه المؤشّرات المتتالية بخير، وما قاله أحد المعلقين السياسيين المؤيدين للرئيس يؤكّد ذلك "ننتظر صراعاً فيه شوية قوة، واللي يعمل سياسة يلزم يتحمّل". يعني أن المعركة بين الرئيس سعيّد وخصومه مرشّحة للتصعيد من السلطة، وستشهد قدراً متزايداً من العنف حتى تستقرّ له الأوضاع، ويستمرّ في تنفيذ "مشروعه" في السنوات الخمس المقبلة.

الصراع على السلطة مسألة مشروعة لا خلاف بشأنها. ومن حقّ الرئيس سعيّد السعي نحو ولاية ثانية، ومن ينكر عليه ذلك فقولُه مردود. هو مؤمن بوجاهة أفكاره وما يحلم به، ومصرُّ على تنفيذها في الشوط الثاني من حكمه، لكن ذلك الحقّ لا يكون على حساب حرّيات الآخرين من أبناء وطنه وحقوقهم، فحرمان الخصوم لمجرّد وصفهم بالأشرار، والالتزام علناً بعدم تسليمهم السلطة، قولان وسلوكان يحتاجان إلى مراجعة، لكونهما طريقاً مسدوداً يؤدّي بصاحبه إلى نتائج غير محمودة. والذين يدفعونه نحو البقاء في الحكم بكل الوسائل المخالفة لقواعد الصراع الديمقراطي لا يريدون له الخير، وسيتخلّون عنه عندما تتغيّر حساباتهم. لا أحد فيهم سيتحمّل المسؤولية إن تغيّرت الأوضاع والموازين.

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس