19 نوفمبر 2024
المطران الذي يحب سليماني
كان صاحب مجلّةٍ بيروتية يوصي محرّريها بأن يسارعوا إلى اتهام إسرائيل بالمسؤولية عن أي حادثةِ تفجيرٍ، أو محاولةِ اغتيالٍ، في لبنان، ذلك أن "جِسْمَها لَبّيس"، وأيضا لأن اتهاما كهذا، فوريّا، يجعل للمجلة شعبيةً عند قرّائها، ويعزّز وطنيّتها، فضلا عن أن إسرائيل ربما تكون قد ارتكبت الجريمة، وإذا ثبت أنها لم تفعلها، فسوء الظن من حسن الفطن أحيانا. تُذكّر بنصيحة زميلنا ذاك مسارعةُ رئيس أساقفة سبسطية في بطريركية القدس للروم الأرثوذكس، المطران عطالله حنّا، الأسبوع الماضي، إلى اتهام إسرائيل بمحاولة اغتيالِه تسميما، بعد استنشاقِه في مقرّ البطريركية مبيداتٍ حشريةً تم رشّها، وتأذّيه من ذلك، إذ قال، لدى وصوله إلى مستشفىً في عمّان، إنه تعرّض للتسمّم، وإن "كل المؤشّرات" تدلّ على أن الاحتلال الصهيوني يقف وراء "الحادثة". مستبقا في كلامه هذا نتائج فحوصاتٍ أجريت له، متّعه الله بالصحة، وإنْ أفاد تاليا بأنه لا يستطيع الجزم بمسؤولية إسرائيل.
سيكون أمرا مُحرِجا أن يعمَد واحدُنا إلى تبرئة إسرائيل من محاولتها ارتكاب أمرٍ كهذا، فأرشيفها مثقلٌ بجرائم بكيفياتٍ متنوّعة، التسميم إحداها، ولكن التفاصيل التي ذاعت في قصة المطران عطالله حنّا تأخذنا إلى ملابساتٍ من نوعٍ آخر، سيما وأن الرجل كفّ، بعد اليومين الأولين في استشفائه في العاصمة الأردنية، عن تكرار الكلام في أمر التسميم، وفي مسألة أن "أحد السموم" التي استنشقها "محرّمٌ دوليا"، على ما شرّقَ وغرّبَ في موضوعه هذا. لقد بدا أنه نفسُه لم يأخذ على محمل الجدِّ أقواله هذه، لمّا تعافى، ولمّا بان أنها "مبيداتٌ حشرية"، ليس منها أي سموم، ولمّا لم تتولّ أي جهة تحقيق، كنسيةٍ داخلية، أو فلسطينية، التثبّت من محاولة الاغتيال التي زاد وأعاد بشأنها في عمّان، ولم يأت عليها في أثناء علاجِه المبدئي في المستشفى الفرنسي في القدس. والبادي، والله أعلم، أن "شيئا ما" يحدُث في البطريركية في القدس، عندما نعرف أنه تم إبلاغ موظفي البطريركية عدم الحضور إليها عدة أيام، فيما لم يعرِف عطالله حنّا هذا.
ليست قصّة مبيدات الحشرات، ولا استجداء شعبويةٍ مفتعلةٍ في "تلبيس" إسرائيل فعلةً لم يُثبِت الأطباء، وهم المختصّون، أنها اقترفتها، ما استدعيا كتابة هذه السطور، وإنما أن المطران شارك في ليلة عزاء في مخيم الدهيشة، قرب بيت لحم، في قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ووقف مع غيره، في جوّ باردٍ، في وقفةٍ تنتصر لإيران في مُصابها هذا، أياما بعد مداومة مراسل قناة الميادين في المستشفى الأردني الذي كان صاحبُنا يتلقّى العلاج فيه، لنقل أخبار "محاولة الاغتيال" الإسرائيلية إلى المشاهدين، وبعد زيارة القائم بالأعمال السوري في عمّان المُصاب، ونقل إليه رسالةً من بشار الأسد، وأكّد له "إدانة سورية الكيان الصهيوني الذي استخدم الغازات المحرّمة دوليا في القدس المحتلة" (!). بعد هذا كله وغيره، فضلا عن توطّن محبّة سليماني وأمثاله في حشايا عطالله حنّا، وجد الأخير أن عليه المسارعة في تأدية واجب العزاء في فقيد إيران ومشروعها التوسّعي في المنطقة العربية.
المطران عطالله حنّا هو الأكثر ممالأة للأسد، بين رجال الدين المسيحيين العرب، فقد زار دمشق غير مرّة، وظلّ يردّد أزعومة أن المتآمرين على سورية هم أنفسهم المتآمرون على فلسطين. ولم يكفّ عن نصرة جيش الأسد ومليشياته في رد "المتآمرين"، من دون أن يظفر الضحايا الأبرياء والمكلومون والمهجّرون في سورية بأي مفردة تعاطفٍ منه، وهو المتنسّك المتبتّل، والمنقطع لمحبة الله. ومن بين هؤلاء المظلومين والمغدورين الذين استهدفتهم قذائف الأسد وبراميله وصواريخه، وبمشاركةٍ من روسيا وإيران، آلافُ الفلسطينيين الذين يشهد تدمير مخيم اليرموك، مثلا، على فداحة ما لحقهم من عسفٍ وتنكيل، في ظلال حامي العروبة ونصير المسيحيين، بشار الأسد، كما ظلّ عطالله حنّا يصفه.
قاسم سليماني واحدٌ من عناوين تهديم سورية والعراق، وتعظيم الطائفية فيهما، وليس بريئا أبدا من قتل سوريين وفلسطينيين، في أرياف دمشق، وفي حلب التي جال فيها مزهوّا، وفي غيرهما. ولا يليق بتفجّع المطران الفلسطيني، عطالله حنّا، عليه، غير استفظاعه، كما الاستهجان البديهي من مواقفه التي انتصرت للقاتلين في سورية، ولم تلحظ المقتولين. وفي الأثناء، دلّت واقعة مبيدات الحشرات، قبل أيام، على ما يبعث على الأسى مما في شخص المتحدَّث عنه من أوهامٍ وخيالاتٍ مضحكةٍ محزنة.
ليست قصّة مبيدات الحشرات، ولا استجداء شعبويةٍ مفتعلةٍ في "تلبيس" إسرائيل فعلةً لم يُثبِت الأطباء، وهم المختصّون، أنها اقترفتها، ما استدعيا كتابة هذه السطور، وإنما أن المطران شارك في ليلة عزاء في مخيم الدهيشة، قرب بيت لحم، في قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ووقف مع غيره، في جوّ باردٍ، في وقفةٍ تنتصر لإيران في مُصابها هذا، أياما بعد مداومة مراسل قناة الميادين في المستشفى الأردني الذي كان صاحبُنا يتلقّى العلاج فيه، لنقل أخبار "محاولة الاغتيال" الإسرائيلية إلى المشاهدين، وبعد زيارة القائم بالأعمال السوري في عمّان المُصاب، ونقل إليه رسالةً من بشار الأسد، وأكّد له "إدانة سورية الكيان الصهيوني الذي استخدم الغازات المحرّمة دوليا في القدس المحتلة" (!). بعد هذا كله وغيره، فضلا عن توطّن محبّة سليماني وأمثاله في حشايا عطالله حنّا، وجد الأخير أن عليه المسارعة في تأدية واجب العزاء في فقيد إيران ومشروعها التوسّعي في المنطقة العربية.
المطران عطالله حنّا هو الأكثر ممالأة للأسد، بين رجال الدين المسيحيين العرب، فقد زار دمشق غير مرّة، وظلّ يردّد أزعومة أن المتآمرين على سورية هم أنفسهم المتآمرون على فلسطين. ولم يكفّ عن نصرة جيش الأسد ومليشياته في رد "المتآمرين"، من دون أن يظفر الضحايا الأبرياء والمكلومون والمهجّرون في سورية بأي مفردة تعاطفٍ منه، وهو المتنسّك المتبتّل، والمنقطع لمحبة الله. ومن بين هؤلاء المظلومين والمغدورين الذين استهدفتهم قذائف الأسد وبراميله وصواريخه، وبمشاركةٍ من روسيا وإيران، آلافُ الفلسطينيين الذين يشهد تدمير مخيم اليرموك، مثلا، على فداحة ما لحقهم من عسفٍ وتنكيل، في ظلال حامي العروبة ونصير المسيحيين، بشار الأسد، كما ظلّ عطالله حنّا يصفه.
قاسم سليماني واحدٌ من عناوين تهديم سورية والعراق، وتعظيم الطائفية فيهما، وليس بريئا أبدا من قتل سوريين وفلسطينيين، في أرياف دمشق، وفي حلب التي جال فيها مزهوّا، وفي غيرهما. ولا يليق بتفجّع المطران الفلسطيني، عطالله حنّا، عليه، غير استفظاعه، كما الاستهجان البديهي من مواقفه التي انتصرت للقاتلين في سورية، ولم تلحظ المقتولين. وفي الأثناء، دلّت واقعة مبيدات الحشرات، قبل أيام، على ما يبعث على الأسى مما في شخص المتحدَّث عنه من أوهامٍ وخيالاتٍ مضحكةٍ محزنة.