المصريون في إعلانات رمضان

17 ابريل 2023
+ الخط -

مثل كل عام، تحرص شركات الدعاية والإعلان المصرية في شهر رمضان على بثّ حملات إعلانية مكثّفة ومتنوعة، لاستغلال نسب المشاهدة المرتفعة خلال الشهر. ولافتٌ أن حملات الدعاية الرمضانية الموجّهة إلى المصريين تضم أشكالاً متباينة من السلع والخدمات. وتأتي المشروعات العقارية في مقدمة قائمة الإعلانات من ناحية الكثافة الإعلانية وضخامة التمويل المخصّص لها. بينما تتصدّرها إعلانات التبرّع و"فعل الخير"، قياساً على عددها ومساحتها الزمنية على الشاشة. حيث يصل عدد تلك الجهات التي تطلب التبرّع لها، عبر الشاشة الصغيرة في مختلف الفضائيات، إلى أكثر من 12 جهة. نصفها تقريباً مشافٍ ومصحّات علاجية، سواء الخاصة بأمراض مُستعصية ومتفشّية في المجتمع المصري مثل السرطان، أو التي تقدّم خدماتها الصحية في العيون وإصابات الحروق وغيرها. فيما يتعلق النصف الآخر بجمعيات خيرية تهدف إلى تقديم خدمات أساسية للفقراء في مصر. بما فيها تقديم الطعام المجّاني، وتطوير البنية التحتية، خصوصاً شبكات مياه الشرب والصرف الصحّي.
وتحفل الإعلانات الرمضانية المصرية هذا العام بمفارقاتٍ مثيرة للتأمل. لعل أهمها الزيادة الكمّية في عدد تلك الإعلانات ومدّتها على الشاشة. وأيضاً معدّل تكرارها ليس فقط خلال اليوم، لكن أيضاً بإعادة بثّها مرّات عدة خلال المسلسل أو البرنامج أو أيا كان محتوى المادّة التليفزيونية. ويعنى ذلك ضخامة التكلفة المالية لتلك الحملات الإعلانية، سواء هذه المتعلقة بالأعمال الخيرية ومساعدة الفقراء، أو تلك الموجّهة إلى أصحاب الثروات الذين يمكنهم الانضمام إلى قاطني المنتجعات والمجمّعات الفاخرة. 
والمثير للاستفزاز، وربما الدهشة لدى من يشاهد إعلانات التليفزيون في شهر رمضان، قيمة المبالغ الباهظة المدفوعة في الإعلانات، فوفقاً لأرقام هذا العام، يبدأ ثمن الدقيقة الواحدة للإعلان على الشاشة، من 400 ألف جنيه (13 ألف دولار حسب السعر الرسمي)، وذلك للبث خلال المواد البرامجية. وتتزايد الشرائح الإعلانية لتقترب من مليون ونصف المليون جنيه (48 ألف دولار) للدقيقة الواحدة خلال مسلسلات الصف الأول ذات نسب المشاهدة العالية. 
هذه هي تكلفة شراء زمن البثّ على الشاشة، فإذا أضيفت تكاليف إنتاج الإعلان نفسه، وهي جميعاً تعتمد على المشاهير ونجوم الصفّ الأول الذي يحصلون على مقابل باهظ للظهور الإعلاني. فإذا أضيف ذلك وغيرُه من تكاليف الإنتاج، نصبح أمام رقم ضخم. يتضاعف مرّات بحساب مجموع الشركات المعلنة، وعدد مرّات البثّ في اليوم الواحد ثم على مدار أيام الشهر الكريم.
إنه تناقضٌ صارخ بين الإعلانات التي تروّج المجمّعات السكنية الفاخرة والمنتجعات الترفيهية والصيفية، مقابل ما يمكن تسميتها إعلانات الفقر والفقراء، التي تدعو أفراد الشعب، بشكل عام، إلى التبرّع بأموالهم لأغراضٍ خيرية. ويتندّر المصريون سخرية، وفي الوقت نفسه حسرةً، على هذا الوضع. وانتشرت على وسائل التواصل لقطة تعبيرية ساخرة (كوميك Comic) لممثلٍ في حالة دهشة وبؤس، يقول لنفسه: "ولماذا لا يتبرّع أغنياء الإعلانات الفاخرة لفقراء الإعلانات البائسة ويتركوننا لحالنا؟!)" 
بالفعل، يفرض هذا التساؤل المنطقي نفسه، إذا كان المجتمع بحاجةٍ إلى التبرّع لكل هذه المؤسسات العلاجية والخيرية، حتى امتدت الحاجة إلى إطعام الطعام، بينما في البلد من ينفقون الملايين على إعلانات مستفزّة، وفيه بالتأكيد من يملكون ملايين أكثر لإنفاقها في شراء العقارات الفاخرة، وإلا ما تمّ الإعلان عنها، فلماذا لا يتبرّع هؤلاء الأغنياء المعلِنون والمشترون لأولئك الفقراء المطحونين؟ بدلاً من نكء جراحهم وتعميق مآسيهم بإعلاناتٍ تثير لديهم غضباً وحسرة، وتؤكّد مُجدّداً أنهم منسيّون من أغنياء بلدهم، وليس فقط من سُلطةٍ تخلت عن دورها في العلاج والتعليم والخدمات، بل والغذاء الذي به يحيا الإنسان.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.