اللجنة الدستورية السورية وسط المجازر
يعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية، غير بيدرسون، في جلسة لمجلس الأمن، عن موعد الاجتماع المقبل للجنة الدستورية، ويقرن إعلانه عن اجتماعات جولةٍ جديدةٍ تأخذ الرقم ثمانية آخر الشهر المقبل، بقرار الأمم المتحدة في البحث عن حلٍّ سلمي للمشكلة السورية. يعترف بيدرسون بأن حالةً من الجمود تعتري الملف السوري، ويحثّ مجلس الأمن على إبقاء هذا الملف حيا، باعتباره ما زال يشكّل خطرا على السلم والأمن في العالم كله. وهو يركز على اجتماعات اللجنة، لأنه يعتقد أن طرح الآراء المتعدّدة في مثل هذه اللقاءات قد يعزّز الثقة بين الأطراف كافة، ويمكن، بتكرار الاجتماعات مرّة بعد مرّة، إحراز تقدّم وإن طفيف، وهو إعلان مضمر بفشل مضمون هذه اللجنة، فبيدرسون لا يعلق أملاً كبيراً على اجتماعها، وما قاله عن التقدّم البسيط هو أقصى ما يمكن أن يتوقعه، ويعكس مدى ثقته بعقم مثل هذه اللجان.
يركز المبعوث الأممي على الثقة بين الأطراف السورية، ويبدو أنها أحد أهدافه من هذه الاجتماعات. وبشكل متزامن ولافت للأنظار، تكشف صحيفة بريطانية عبر فيلم فيديو عن ممارسةٍ من أفظع ما يمكن تصوره، يقوم بها عناصر أمن سوريون، جرى التأكد من هوياتهم بحق ما بدا أنهم مدنيون يساقون إلى حتفهم بخطواتٍ بطيئة وعيون معصوبة. وهنا يرغب بيدرسون أن يبني ثقة بين ضحية مربوطة اليدين إلى الخلف وبندقية موجّهة إلى الرأس، مع كمية حقد غير قابلة للقياس تفيض من عيني الجلاد. يعود تاريخ الفيديو إلى السنوات الأولى لاندلاع الصراع بين المعارضة وأجهزة النظام، لكن هذا الأمر لا يعفي من الجريمة، خصوصاً أنّ كلّ ذلك لم يتوقف بعد. التفاصيل الدقيقة للشريط المكتشف معروفة للعلن ومنذ أمد، وهي ممارسات بنيوية في أجهزة النظام، خصوصاً الأمنية منها، التي تلقِّن عناصرها أبجديات العنف، ليجري تطبيقه على من يُبدي أقل قدر من المعارضة. والتاريخ المكتوب الذي تركه الناجون من سجون النظام المتعدّدة يشرح، بشكل وافٍ، ما تقول الصحيفة البريطانية إنّه اكتشافٌ ودليلٌ على تطبيق النظام سياسة إبادة تسير وفق منهج مرسوم.
لا يمكن بناء ثقةٍ بمجرّد تبادل الحديث أو الآراء، مهما طال زمن الحوار وامتدّ ليمثل كثيرين، إذ على الرغم من المظاهر السلمية التي يبدو عليها ممثلو النظام ومظهرهم الأنيق والنظيف ووجود بعض النساء في صفوفهم، فإنّه ما زال يحمل سلاحاً مسلّطاً على رؤوس السوريين، ويسيطر على الأرض، وعلى حيّ التضامن الذي حدثت فيه المجزرة، وحدثت مثيلاتها على امتداد الوطن، وما زال المجرم الذي ضُبط بالاسم والصورة والملامح على رأس عمله، يزاول خدمته في الفرع الأمني نفسه الذي كان فيه، ويتقاضى راتبه الشهري بانتظام، ويتجوّل وهو آمن في كلّ سورية. بناء الثقة مع هذا النموذج غير ممكن بالحوار، فهو بحاجة إلى ضبط ومحاكمة ومواجهة قانون، وليس لجنة حوار عن الدستور وشكل وجه سورية الجديد، فهذا النوع من الجرائم لا يمكن التغاضي عنه ولا يسقط بالتقادم، بل تبقى هذه الجرائم طازجةً على الدوام، ويبقى ضحاياها في عداد المظلومين، إلى أن يحاكم قاتلهم، بدل الجلوس والتحادُث معه عن بناء ثقة منشودة.
لا يشكل اكتشاف مجزرة جديدة يُقتل فيها الناس ببرود مفاجأة أو اختراقاً، على الرغم من أنّه يدعم ملفاً حقوقياً مثقلاً، فالنظام احتل موقعه في السلطة كل هذه المدة بالعقلية ذاتها التي قتل بها المسلح المدنيين المقيدين، وهو ليس مستعدّاً لأن يتقاسم سلطته مع أحد، ويدير ملفّ المعارضة بهذه العقلية. لذلك تبدو الاستجابة لدعوات بيدرسون في الجلوس مرة ثامنة للحديث عن دستور جديد نوعاً من التراجيديا الكئيبة معروفة النتيجة، فالاستحقاق قانوني في المرحلة الأولى وملحّ، وبناء الثقة الذي تحدث عنه بيدرسون يبدأ مباشرةً بعد نطق الأحكام بحقّ المجرمين من محكمة عادلة.