القضية الفلسطينية قضية كل الشعب المغربي

15 مارس 2023

مغربي في احتجاج أمام البرلمان في الرباط ضد العلاقات مع إسرائيل (29/11/2022/فرانس برس)

+ الخط -

أعاد بيان صادر عن الديوان الملكي في المغرب، يوم الاثنين (13 مارس/ آذار الجاري)، ينتقد بلهجةٍ شديدةٍ ما يعتبره تدخلاً و"تجاوزاتٍ غير مسؤولة" من قيادة حزب التنمية والعدالة، الإسلامي المعارض، فيما يتعلق بالعلاقات بين المغرب وإسرائيل، أعاد النقاش مجدّداً في اختصاصات الملك، وفي الموقف من التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي فُرض على أغلبية الشعب المغربي. ولكن في البداية لا بد من الوقوف عند ما ورد في البيان لمعرفة أسباب النزول، بما أنه جاء للردّ على بيان سابق لحزب العدالة والتنمية، يستهجن مواقف لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، حيال دولة إسرائيل في المحافل الأفريقية والأوروبية، والتي عدّها الحزب الإسلامي بمثابة دفاع عن الدولة الصهيونية، وهذا ما يفسّر اللهجة القاسية التي كُتب بها بيان الديوان الملكي، عندما وصف ما ورد في بيان الحزب بأنه "مزايدات وابتزاز".

وربما، في هذا الوصف، قد نتفق مع بيان الديوان الملكي، بما أن اتفاقات التطبيع مع إسرائيل التي وقعها المغرب نهاية عام 2020، جرى توقيعها في عهد حكومة كان يرأسها حزب العدالة والتنمية، وتولى التوقيع باسم الشعب المغربي على تلك الاتفاقات المشؤومة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، الذي كان يشغل أمين عام الحزب الإسلامي الذي باركها ودافع عنها على لسان أمينه العام الحالي، عبد الإله بنكيران، الذي خرج محذّراً كل من سوّلت له نفسه انتقادها ومتّهماً من يعارضها بأنه يعارض المصلحة الوطنية للمغرب! لذلك من الطبيعي أن ينظر اليوم بيان الديوان الملكي إلى مواقف هذا الحزب، المتقلبة بحسب قربه من السلطة أو بعده منها، بأنها نوع من الابتزاز والمزايدات، لأنه كان في وسعه رفض التوقيع على تلك الاتفاقات عندما كان في السلطة، وكان سيصير لموقفه صدى أكبر من صدى بيانه الذي صدر قبل خمسة أيام، ولم يلفت انتباه أي كان لولا بيان الديوان الملكي الذي حوّله إلى مادّة لتحليل ازدواجية الخطاب وانتهازيته عند الحزب الذي يفقد كل يوم الكثير من مصداقيته لدى شرائح واسعة من الرأي العام المغربي، بسبب تناقضات خطابه عندما كان في السلطة والخطاب الذي يتبنّاه اليوم، بعدما أُبعد مرغماً لممارسة نوع من المعارضة الشكلية، لا تهشّ ولا تنشّ.

وبعيداً عن تناقضات خطاب هذا الحزب الذي سعت قيادته دائماً إلى كسب رضا القصر قبل رضا الناس، أعاد بيان الديوان الملكي النقاش مجدّداً بشأن اختصاصات الملك المتضخّمة، فقد جرى العرف في المغرب، خصوصاً في السنوات الأخيرة، بسبب ضعف الأحزاب التي تعاقبت على تسيير الحكومات خلال العقدين الأخيرين، على اعتبار السياسة الخارجية مجالاً محفوظاً للملك، وهو ما جاء البيان لتأكيده، رغم أنه لا يوجد في الدستور المغربي ما ينصّ صراحة على أن مجال السياسة الخارجية حكر على الملك وحده، بل نجد في الفصل 88 منه أن الحكومة هي من ترسم السياسة الخارجية للمغرب في برنامجها الذي تعرضه على البرلمان للمصادقة عليه. وبما أن البيان تضمّن عبارات واضحة تقول إن "السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص جلالة الملك"، فإن هذه الجملة ستعتبر بمثابة تأكيد وترسيم رسمي للعُرف الذي يرسخ طبيعة النظام القائم في المغرب ملكية تنفيذية بامتياز، وهو ما يُسقط كل الأوصاف التي يحاول المدافعون عن السلطة في المغرب إلباسها للنظام، عندما يصفونه بالتعدّدي والديمقراطي. لقد "سبق السيفُ العذل"، ولا حديث مستقبلاً عن النموذج الديمقراطي المغربي!

أغلبية الشعب المغربي وقواه الحيّة لو أتيحت لها فرصة التعبير عن رأيها بحرّية من التطبيع لكان جوابها هو الرفض

وعودة إلى مضمون بيان الديوان الملكي، أي اتفاقات التطبيع بين المغرب وإسرائيل، قد كان "العدالة والتنمية" أكبر الخاسرين من التوقيع عليها، عندما عاقبه الشعب المغربي في انتخابات خريف عام 2021، واحتلّ فيها الحزب الذي كان يقود الحكومة ويتصدّر الأحزاب السياسية المغربية، مرتبة متدنّية أفقدته مواقعه داخل البرلمان وداخل المجالس المنتخبة، وأعادته إلى طبيعته الأولى رقماً صغيراً لتأثيث مشهد سياسي لا تأثير له داخله. وهذا دليل آخر على شعبية القضية الفلسطينية في الأوساط الشعبية المغربية. ولعل هذا أيضاً أحد أسباب رد الفعل القاسي الصادر عن الديوان الملكي الذي تحرّك لاستعادة شرعيته في الدفاع عن القضية الفلسطينية التي طالما اعتبرها المغاربة قضيتهم الوطنية الأولى، وأعاد بيان القصر الملكي التأكيد على أن الموقف الرسمي للمغرب منها "مبدئي ثابت للمغرب". ولكن، مع الأسف، اتفاقات التطبيع، وتصريحات بعض المسؤولين المغاربة، ولقاءاتهم مع مسؤولي الكيان الصهيوني، والصمت الرسمي المغربي عن التنديد بالانتهاكات الإسرائيلية اليومية لحقوق الفلسطينيين، والهرولة المفزعة نحو التطبيع بكل أشكاله المهينة لكرامة الشعب المغربي، كلها مواقفُ وقراراتٌ رسمية لا تترجم ألبتّة الموقف الأصيل لأغلبية الشعب المغربي الذي يرفض كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني.

وعكس ما أورده الديوان الملكي، أنه جرى إشراك "القوى الحية للأمة، والأحزاب السياسية وبعض الشخصيات القيادية وبعض الهيئات الجمعوية التي تهتم بالقضية الفلسطينية"، في قرار التطبيع، وعبرت عن "انخراطها والتزامها به"، فهذا ما لا علم لأغلبية المغاربة به. وإذا كان رئيس الحكومة السابق، سعد الدين العثماني، المنتمي إلى "العدالة والتنمية" الذي وقع على اتفاقات التطبيع، لم يكن على علم بها حتى ساعة استدعائه لحفل التوقيع الرسمي داخل القصر الملكي أمام الملك، فمن هي القوى الحيّة للأمة والأحزاب والشخصيات القيادية والهيئات المجتمعية التي جرى إخبارها بقرار التطبيع؟ المعروف أن أغلبية الشعب المغربي وقواه الحية، لو أتيحت لها فرصة التعبير عن رأيها بحرّية من التطبيع لكان جوابها هو الرفض. وهذا الأمر تدركه السلطة في المغرب التي تمنع كل أشكال التظاهر الشعبية ضد التطبيع، أو تلك المناصرة للقضية الفلسطينية، فهذه القضية ستبقى قضية الشعب المغربي برمته، وكلما أثخنت السلطة في التطبيع مع الكيان الصهيوني يكبر الرفض الشعبي له، ومعه يفقد المطبّعون من شعبيتهم وشرعيتهم. وهنا مربط الجمل في كل هذا السجال القائم بين القصر والحزب الإسلامي.

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).