القرد أخو الطاووس
مذيع تلفزيوني مصري قسيم الوجه، أول حرف من اسمه تاء والثاني ألف، أهان الصعيد، ودعا إلى حرب استقلال وتحرير القاهرة من هجوم الصعايدة، وإجلاء أبنائهم وبناتهم الذين يعملون في مهنٍ وصفها وصفاً لا يليق، وهي مهنٌ لا غنى للمجتمع عنها، فثاروا وشكوه إلى القضاء الشامخ شموخ أم الهول.
اعتذر المذيع التقي، وأعلن اعتزال عرش مهنته. في ما بعد، أنصف القضاء الشامخ الصعايدة، فبرّأ ساحة المذيع. وقبله مذيعة حلوة، أول حرف من اسمها راء والثاني سين، باهت بالمصريين على السوريين الذين ينتظرون الصدقات، ثم ما لبثت أن ظهرت في فيديو يوزّع فيه عساكر الصدقات على المصريين المتزاحمين حول شاحنة، مع أنّ مصر نجت، بفضل زعيمها، من مصير سورية والعراق، فثار عليها من ثار، فسالت دموعها وأعلنت تنحّيها عن منصبها في الإعلام. وكتبت الصحف المصرية أنّها تعتزل للمرة الثانية، وستعتكف للعبادة في التمثيل. وسخرت ممثلة سورية تغني أحياناً، اسمها أمل عرفة، في تمثيلية من الكيماوي السوري، فليس من كيماوي، أيها السادة، إنْ هو إلا كذبة إعلامية. الكيماوي للعدو فقط، النظام يرشّ العطور والطيب على الشعب، ويقذف للشعب السوري المحاصر من الإرهابيين الخبز بالحوّامات، فسخط عليها السوريون، فظهرت واعتذرت نادمةً بقلب كسير، ونذرت ألا تظهر مرة ثانية، كفارة عن فريتها، ثم وجدنا الثلاثة قد عادوا إلى عروشهم، والعود عكاشة وكان قديماً أحمد.
ووجدتُ مرة نيبالياً في عنقه قلادة عليها صورة الطاووس، يقف أمام صنم قرد ويؤدي الصلاة، فتعجّبت، فقال لي: القرد أخو الطاووس.
أمنيتي أن أجد إعلامياً يثبت على كلمةٍ قالها في وجه جمهور جائر، وإنْ ليس إلى درجة الموت من أجلها، أريد أن يعتزل وحسب، لكن ما يلبث أن يقول إنّه لم يقصد ما قاله، والجمهور أساء فهمه، وحرّفوا كلامه عن مواضعه، أو إنّه كان يمزح مثل جورج قرداحي الذي مدح شوارع العراق إبّان عهد صدّام حسين في زيارة لأضرحة الشيعة في العراق، فثار جمهور القرد غيرةً على الطاووس.
يقول علماء الأركيولوجيا وأصل الأنواع وعلماء الأساطير إنَّ الإنسان أصله سمكة، وقد نجد تسويغاً لهذا القول بأنّ أصل الإنسان من ماء، وهو ما نقرّ به، مؤمنين وملحدين، أصحاب اليمين وأصحاب الشمال. أما الإعلامي المعاصر فأصله علكة. لا أعرف عدد الزعماء العرب الذين أقسموا على الحفاظ على الدستور، لكنّ المدد الرئاسية صارت أبداً، كان أول رئيس معاصر اعتزل ثم عاد هو جمال عبد الناصر. اعترف بالهزيمة، ثم أخرج الناس، ليطالبوا بعودته إلى الحكم، فعاد والعود عكاشة، ومبارك الذي لم يكن ينوي الترشّح للرئاسة، والسادات الذي مدّد لنفسه، سيد يا بدوي، والقذافي الذي لا يحكم أصلاً، هو واحد من الشعب، أيها السادة، لكن بصفة قائد متواضع، وبشار الأسد الذي سيحكم دورته الخامسة. أما السيسي، فقد حطّم الأرقام القياسية، ولو يريد الشعب منه أن يمشي، سيمشي فوراً، لكن الشعب لا يعرف كيف يقول له ذلك، فالانتخابات تزوّر، والتظاهرات ممنوعة، ومن يصدُق القول يتهم بنشر أخبار كاذبة، العيب في النظام، يا بهايم: الشعب بال والنظام سيكام.
وكنت أظن أن شعار "إلى الأبد" حديثٌ ابتدعه العبقري حافظ الأسد، ثم وجدت له أصلاً في البداية والنهاية، في وقعة بهرسير؛ يقول ابن كثير عن جند بوران: "وهم يقسمون كلّ يوم لا يزول ملك فارس ما عشنا" إلّا أنّهم كانوا أكرم قسماً من ملوكنا الجدد الذي يقسمون لشخوصهم، لا لأعراقهم أو طوائفهم. وكان الفرس يقتلون ملوكهم الخونة، أما ملوكنا، فتقتل أشرافنا، وأصدقنا حديثاً، وتوزّع ثروة الكذب على الشعب بالتساوي.
ظهر مرّة مبروك عطية مدجّجاً بوردته الحمراء السحريّة، غاضباً لتدمير بيوت الناس، وتلا آيةً من سورة البقرة، تتوعد من يخرج أهل البيوت منها، وأظن أنّ الآية الأربعين من سورة الحج أَولى، فحمدنا الله على شجاعة مصريٍّ لا يخاف في الله لومة لائم، ثم ما لبث أن ظهر واعتذر عن زلّته. لن نأمل اعتزال رئيس عربي إلّا بيد ملك الموت، أفلا ننعم باعتزال إعلامي عربي، كلّ أملنا أن يصدُق رئيس قسم دراسات الورود الحمراء في جامعة الأزهر، وأن يعتزل وينصرف إلى زراعة الزهور، يا "زينبو".