الفلاح الفصيح
الحمد لله أننا عشنا ورأينا زعيماً وطنياً، لم نرَ قط مثله في مصر وكوكب الأرض، فهو بطل، وسيم، فصيح، أوتي شطر الحسن، حتى أنه فاق في أدبيات النظام يوسف عليه السلام الذي كانت النساء تقطعن أيديهن شغفاً بحبه، فالنساء حُبلى بنجم الوسيم من بصّة واحدة، والرجال يقطعون حلوقهم في حبّه. ومن شمائله أنه يعشق الوطن، ويحبُّ الادّخار، ويبني السجون والمعتقلات الفارهة، لا تأخذه في الله لومة لائم، يعتقل الأحرار والحرائر أمثال محمود حسين وعلا القرضاوي، ويطلق المجرمين، ويغار على أرض مصر ليس من الأعداء، ولكن من شعبها الجشع. ثم بان أنه رجلٌ يعشق الزراعة والنبات، مثل الأسد الذي انتبه إلى الزراعة في خطابه أخيرا وحضَّ عليها. وهكذا كان الكريم ابن الكريم يوسف عليه السلام الذي استطاع، في سبع سنوات، استعباد شعب مصر كما جاء في تفسير النسفي وغيره: "وباع من أهل مصر في سني القحط الطعام بالدراهم والدنانير في السنة الأولى، حتى لم يبق معهم شيء منها، ثم بالحلي والجواهر في الثانية، ثم بالدواب في الثالثة، ثم بالعبيد والإماء في الرابعة، ثم بالدور والعقار في الخامسة، ثم بأولادهم في السادسة، ثم برقابهم في السابعة حتى استرقّهم جميعاً، ثم أعتق أهل مصر ورد عليهم أملاكهم".
وقد رأينا حملة عبد الفتاح السيسي الصليبية على البيوت المخالفة على أراضٍ زراعية، وكل الأرض كانت يوماً زراعية، حتى أنه دمَّر سبعة وسبعين مسجداً، بل هي أكثر، والأرض كلها لله قبل أن تكون للبقرة المقدّسة التي اسمها الدولة، وما يدمّرها إلا غيرةً على أرض مصر.
وكانت الدولة السورية قد بنت، بعد موافقة جميع الجهات، أمام بيتي عمارة، ثم إن المحافظ الجديد عطّل بناءها لأنها تشوّه الشارع، فبقيت أساسات العمارة نصف قرن تشوّه الشارع، وما تزال لأن إزالتها تحتاج إلى جرّافات وتراب لطمر الحفرة وعمل كثير.
أحياناً، يكون الهدم أصعب من البناء، ولا أعرف كيف سيتخلص السيسي من كل هذه الأنقاض التي أخربتها الجرافات، وكم يحتاج من أموالٍ وأيد عاملة ووقت. ولم نذكر العائلات التي شردت باكيةً، ورأيناها تنام في الشوارع، ولا الأوراق الرسمية التي في حوزتهم، وبعضها يعود إلى ما قبل عهد السيسي وحسني مبارك وأنور السادات وجمال عبد الناصر والملك فاروق، حتى أنه شاعت طرفة تقول إن السيسي يفكر في إخراب الأهرامات، لأنها مبنيةٌ على أرض زراعية. وقد ذكّرني السيسي البطل العاشق للزراعة بحصين بن نمير الذي أرسله يزيد بن معاوية لحرب عبد الله بن الزبير، ثم إن يزيداً مات، "فدَعَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِيُحَدِّثَهُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَاجْتَمَعَا حتى اختلفت رؤوس فَرَسَيْهِمَا، وَجَعَلَتْ فَرَسُ حُصَيْنٍ تَنْفِرُ وَيَكُفُّهَا، فَقَالَ له ابن الزبير: مالك؟ فَقَالَ حصين: إِنَّ الْحَمَامَ تَحْتَ رِجْلَيْ فَرَسِي تَأْكُلُ من الروث فَأَكْرَهُ أَنْ أَطَأَ حَمَامَ الْحَرَمِ، فَقَالَ لَهُ: تَفْعَلُ هَذَا وَأَنْتَ تَقْتُلُ الْمُسْلِمِينَ؟".
هناك عتبٌ على المشير أنوبيس حارس العالم السفلي والتحنيط والموتى، وحارس صندوق "تحيا مصر"، وهو أننا كنا نتمنّى عليه أن يعامل المصري كما عامل الإثيوبي، فيقول لكل مصري بنى على أرض زراعية، قل: "والله والله والله لن نقوم بأي ضرر لأرض مصر"، فلدينا الآن بعد الهدم أراضٍ زراعيةٌ كثيرةٌ من غير ماء ومهدّدة بالعطش والجفاف، فما طُلنا عنب الشام ولا بلح اليمن.
البيوت ليست مأوى فقط، إنما هي ذكريات أيضا، وقد دُمّرت قرى بأكملها في سيناء. وثمّة شبه غير الحسن، بين الكريم ابن الكريم ابن الكريم، وبين الوسيم وعاشق البرسيم وكله في السليم. ليس هذا محلها، لكننا فهمنا سبب غيرته على الماء، وهو أنَّ هذا الكائن البرمائي يعيش على الماء وحده، وأثبت بغيرته على الزراعة والأرض أنه فلاحٌ فصيح، وأمسينا آمنين من خوفٍ ومُطعَمين من جوع، لا نفكر سوى بإطعام الطيور في الجبال من كثرة النعم، ونستغني بطلعته وخطبه عن الدنيا وما فيها.