24 أكتوبر 2024
الصومال والفوضى مجدّداً
الشافعي أبتدون
الشافعي أتبدون: إعلامي وباحث صومالي حاصل على ماجستير الصحافة من المدرسة العليا للصحافة والتواصل في باريس، صدر له كتاب "الفيدرالية في الصومال: أطماع التقسيم وتحديات الوحدة". لديه أبحاث ومقالات منشورة في مواقع ومراكز عربية وأجنبية.
الحرب الأهلية ليست تاريخاً يُطوى فقط، بل عبرة يستلهم منها الأجيال اللاحقة، لعدم تكرارها أو الوقوع في أتون صراعاتها ومستنقعاتها الآسنة بالكراهية والتمييز والخبث والدهاء. ولكن في الحالة الصومالية، هناك ما هو شاذّ وغير مبرّر بالمرة، فالحرب السياسية والاحتكام إلى لغة الرصاص أمر عادي، ولا يردعها منطق أو قوانين تنظم سير الحياة ومجرياتها، فكل ما هو مقنّن هو الفوضى في كل الاتجاهات وبأبعاد مختلفة، فالحكومة الصومالية الفيدرالية تواجه معارضةً من بعض النواب، ومن أحزاب سياسية، في أجواء ملبّدة بالفشل داخلياً بالنسبة لحكومة مقديشو، نتيجة التفجيرات التي هزّت مقديشو نهاية شهر مارس/ آذار الماضي، وكأنها عودة إلى "حمام الدم" في أعقاب التدخل الإثيوبي في الصومال عام 2006.
كان تحسين الأمن وفتح الشوارع الرئيسية المقطعة بالسواتر الإسمنتية أمام المارّة من شعارات حملة الرئيس الحالي، محمد عبد الله فرماجو عام 2017، وكان ينتقد الحكومة الصومالية التي تزعّمها سلفه حسن شيخ محمود، لتعاملها الفظ في ضبط أمن العاصمة، عبر إغلاق الشوارع، ولا سيما في صباحات شتوية باردة وجافّة، ولكن هذا المشهد بات اليوم سمة العار التي تطارد الحكومة الحالية، فمعظم الشوارع الرئيسية مغلقة، وحركة السيارات الخاصة ممنوعة، والإجراءات الأمنية أكثر صرامة، لكن هذا أو ذاك لم يمنع القتل الطائش الذي يطاول الأبرياء عادة من قوات الحكومة وخصومها، فسائقو عربات التوك - توك باتوا في مرمى نيران قوات الشرطة في شوارع مقديشو، فضلاً عن التفجيرات التي تحصدهم في كل حادثٍ أليم.
سياسياً، تعدّ قاعة البرلمان الصومالي مقياساً لفشل أداء الحكومات الصومالية أو من عدمها، فإذا كثر اللغط والسخط والهرج والمرج فيها، فهذا مؤشر لقرب فشل سياسي ما، يؤدي إلى سقوط الحكومة، أو أن تدفع البلاد إلى أتون متاهاتٍ ماجنة أو نحو الهاوية، لا سمح الله، ويختلط فيها الحابل بالنابل والصالح بالطالح، فلا تكاد تفرق بين من هو صالح يسعى إلى الذود عن مصالح الجماهير المتعطشة للاستقرار، والتوّاقة إلى سلام أكيد، وخصمه الذي تحركه مآرب نفسه فقط، ففي خضمّ التفجيرات التي تقطّع أشلاء الأبرياء، تكاد لا تجد كلمة تجمعهم، والذي يفرّقهم كثير وكثير، فالمعارضة في البرلمان تشتد، ويتزايد عدد من يزاولونها، وهذا كله بسبب التناقضات الدستورية، فالحصانة المطلقة وتوجهات المعارضة التي تقودها، ربما، الحسابات الشخصية ضدان لا يجتمعان.
لا تحتاج جهود الحكومة الفيدرالية الهادفة إلى تحسين الوضع الاقتصادي والأمني في الصومال إلى دليل قطعي، وما يلامس منه الحقيقة أنها تبذل جهوداً في سبيل تحقيق ذلك، على الرغم من أنّ معارضتها تقول إن الحكومة تعبث في الأهواء فقط، ولا تقدم رجلاً أو تؤخرها، بل ينطبق عليها العكس تماماً، فلم تستطع الحكومة الفيدرالية صرف رواتب جنودها شهوراً، وخصوصاً المرابطين في جبهات القتال ضد حركة الشباب، ما دفع عديدين منهم إلى المطالبة بحقوقهم
المالية. هذا يرد على لسان المعارضة الطويل، أما الحكومة فتقول إنها صرفت رواتب جنودها المسجلين لديها، فمن لم تصل إليه حفنة الدولارات، فهو ليس مسجلاً، أي إنها تعيد تنظيم المؤسسة العسكرية، وتحارب الفساد بطريقتها الخاصّة، هي معركة بين الحكومة ومعارضتها الداخلية، فمن يا ترى أقرب إلى الحقيقة؟
عانى الجيش الصومالي، ولا يزال، من المشكلات ما لا حصر لها، فهو منذ سقوط الحكومة المركزية عام 1991، ورقة التوت التي دفعت البلاد إلى المهالك، اضمحل وتفكّك إلى مليشيات قبيلة، بينما جنرالاته انقسموا بين من يقف إلى جانب هذا الفصيل المسلح أو ذاك، ومنهم من هاجروا، وثمة من بقوا في السلك العسكري. وكانت الولايات المتحدة قد أوقفت مساعداتها للجيش الصومالي نهاية العام الماضي، بسبب مزاعم الفساد فيه، وهو الجيش الذي خارت قواه منذ غادره الجنرال محمد سياد بري.
لا غرابة في سقوط نظام الدولة، أو وقوعها في حرب أهلية جهنمية، ولكن العجب في استمرار الفوضى السياسية بلا إدراك لعواقبها الكارثية التي تستنزف الشعب الصومالي، فرواندا التي اقتتل شعبها، وأحرقت الأجساد، وقطعت بالسواطير، يحقق اقتصادها نمواً متسارعاً كأسرع اقتصادات الدول الناشئة في أفريقيا؛ حيث يتوقع أن يتفوق النموّ في اقتصادها النموّ في اقتصادي الهند والصين العام الحالي، بينما الصومال يحنّ للفوضى السياسية والأمنية، وكأنه لا يجد من ينتشله من المستنقع، بيد أن صوماليين كثيرين يستلهمون تجربة رواندا التي أحيت أخيراً مرور 25 عاماً على مجازر الإبادة.
يحتاج الصومال اليوم لمصالحة حقيقية، تشمل نسيجه الاجتماعي شمالاً وجنوباً، ويحتاج إلى أمن وسلام يحفظ لأبنائه كرامتهم، وكذلك تطبيق القوانين واستكمال الدستور ومكافحة الفساد وتنظيم مؤسسات الدولة. عندها يمكن أن يقارن الصومال برواندا التي تتجلى في الآفاق نهضة واقتصاداً.
سياسياً، تعدّ قاعة البرلمان الصومالي مقياساً لفشل أداء الحكومات الصومالية أو من عدمها، فإذا كثر اللغط والسخط والهرج والمرج فيها، فهذا مؤشر لقرب فشل سياسي ما، يؤدي إلى سقوط الحكومة، أو أن تدفع البلاد إلى أتون متاهاتٍ ماجنة أو نحو الهاوية، لا سمح الله، ويختلط فيها الحابل بالنابل والصالح بالطالح، فلا تكاد تفرق بين من هو صالح يسعى إلى الذود عن مصالح الجماهير المتعطشة للاستقرار، والتوّاقة إلى سلام أكيد، وخصمه الذي تحركه مآرب نفسه فقط، ففي خضمّ التفجيرات التي تقطّع أشلاء الأبرياء، تكاد لا تجد كلمة تجمعهم، والذي يفرّقهم كثير وكثير، فالمعارضة في البرلمان تشتد، ويتزايد عدد من يزاولونها، وهذا كله بسبب التناقضات الدستورية، فالحصانة المطلقة وتوجهات المعارضة التي تقودها، ربما، الحسابات الشخصية ضدان لا يجتمعان.
لا تحتاج جهود الحكومة الفيدرالية الهادفة إلى تحسين الوضع الاقتصادي والأمني في الصومال إلى دليل قطعي، وما يلامس منه الحقيقة أنها تبذل جهوداً في سبيل تحقيق ذلك، على الرغم من أنّ معارضتها تقول إن الحكومة تعبث في الأهواء فقط، ولا تقدم رجلاً أو تؤخرها، بل ينطبق عليها العكس تماماً، فلم تستطع الحكومة الفيدرالية صرف رواتب جنودها شهوراً، وخصوصاً المرابطين في جبهات القتال ضد حركة الشباب، ما دفع عديدين منهم إلى المطالبة بحقوقهم
عانى الجيش الصومالي، ولا يزال، من المشكلات ما لا حصر لها، فهو منذ سقوط الحكومة المركزية عام 1991، ورقة التوت التي دفعت البلاد إلى المهالك، اضمحل وتفكّك إلى مليشيات قبيلة، بينما جنرالاته انقسموا بين من يقف إلى جانب هذا الفصيل المسلح أو ذاك، ومنهم من هاجروا، وثمة من بقوا في السلك العسكري. وكانت الولايات المتحدة قد أوقفت مساعداتها للجيش الصومالي نهاية العام الماضي، بسبب مزاعم الفساد فيه، وهو الجيش الذي خارت قواه منذ غادره الجنرال محمد سياد بري.
لا غرابة في سقوط نظام الدولة، أو وقوعها في حرب أهلية جهنمية، ولكن العجب في استمرار الفوضى السياسية بلا إدراك لعواقبها الكارثية التي تستنزف الشعب الصومالي، فرواندا التي اقتتل شعبها، وأحرقت الأجساد، وقطعت بالسواطير، يحقق اقتصادها نمواً متسارعاً كأسرع اقتصادات الدول الناشئة في أفريقيا؛ حيث يتوقع أن يتفوق النموّ في اقتصادها النموّ في اقتصادي الهند والصين العام الحالي، بينما الصومال يحنّ للفوضى السياسية والأمنية، وكأنه لا يجد من ينتشله من المستنقع، بيد أن صوماليين كثيرين يستلهمون تجربة رواندا التي أحيت أخيراً مرور 25 عاماً على مجازر الإبادة.
يحتاج الصومال اليوم لمصالحة حقيقية، تشمل نسيجه الاجتماعي شمالاً وجنوباً، ويحتاج إلى أمن وسلام يحفظ لأبنائه كرامتهم، وكذلك تطبيق القوانين واستكمال الدستور ومكافحة الفساد وتنظيم مؤسسات الدولة. عندها يمكن أن يقارن الصومال برواندا التي تتجلى في الآفاق نهضة واقتصاداً.
دلالات
الشافعي أبتدون
الشافعي أتبدون: إعلامي وباحث صومالي حاصل على ماجستير الصحافة من المدرسة العليا للصحافة والتواصل في باريس، صدر له كتاب "الفيدرالية في الصومال: أطماع التقسيم وتحديات الوحدة". لديه أبحاث ومقالات منشورة في مواقع ومراكز عربية وأجنبية.
الشافعي أبتدون
مقالات أخرى
03 سبتمبر 2024
18 اغسطس 2024
27 يوليو 2024