السيسي وأردوغان: هل حقًا لا يستويان؟

24 ديسمبر 2021

(كريستيان سركيس)

+ الخط -

نشرت الصحافة الإسرائيلية، ونقل عنها عديد الصحف والمواقع الصادرة باللغة العربية، تصريحات على لسان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لدى استقباله وفدًا من الحاخامات في أنقرة، جاء فيها أن "العلاقات الاقتصادية بين (تركيا وإسرائيل) أقوى من أي وقتٍ مضى وستستمر في النمو"، وأيضًا "تطبيع العلاقات مع إسرائيل أمر مهم وسيحدُث قريبا". وأرفقت المواقع مع الخبر صورًا وفيديوهات حية لما جرى في أثناء اللقاء، الذي يأتي بعد أيام قليلة من اتصال هاتفي بين أردوغان ورئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي، تناولا فيه العلاقات الثنائية. وقبل ذلك، كان أردوغان قد أعلن أن تطبيعًا كاملًا في العلاقات بين أنقرة وكل من القاهرة وتل أبيب سوف يأتي، على غرار التطبيع التركي الإماراتي الذي انطلق.
الرجل، أردوغان، لا يخفي ذقنه، ويظهر طوال الوقت استعدادًا وحماسًا متدفقًا لفكرة التطبيع، بالقدر ذاته الذي يندفع به نحو قاهرة عبد الفتاح السيسي، آخذًا في طريقه كيانات معارضة كثيرة، تعمل في الأراضي التركية، وأيضًا أفرادا عديدين وجدوا، فجأة، أنهم مطلوبٌ منهم الصمت.
كل ما سبق وقائع مدركة بالبصر والسمع، حتى أضحت حقائق تنمو وتتحرّك على الأرض، وليست افتراءات أو تكهنات وتخمينات، كما أن السلطات التركية ذاتها لا تنفيها ولا تنكرها، غير أن نفرًا من "الأردوغانيين العرب" يتعاملون، وكأنهم طلائع الانكشارية الجديدة، مع كل من يقترب من هذه الحقائق، بالنشر أو التعليق أو النقد، بل تبلغ الوقاحة ببعض الذين احترفوا، مطولًا، أعمال النباح والنهش في معارضة السيسي وانقلابه، ثم تحوّلوا، أخيرا، إلى احتراف المبيت أمام دار أردوغان، يعقرون كل عابر أو معبر عن وجهة نظر بشأن سياسة صاحب الدار، تبلغ بهم الوقاحة والتسفّل حدودًا لا تصل إليها البذيئات المستأجرات.
هؤلاء المستثمرون في الانحطاط والوضاعة شيء والذين يؤيدون أردوغان، مخطئًا أو مصيبًا، شيء آخر يمكن تلمس العذر له، حين يرفع شعاراتٍ تبريرية، براغماتية، ويرفض المقارنة بين أردوغان والسيسي في مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني، رافعين لافتة "لا يستويان"، وهي لافتة قد يمكن الاعتداد بها لو كانت المقارنة في موضوع آخر غير مسألة التطبيع.
أما وأن موضوعنا هو، فقط، التطبيع، فليس من اختلاف بين السيسي وأردوغان في هذا المضمار، إذ يرفع كلاهما شعار "التطبيع من أجل مصلحة الشعب الفلسطيني"، كما يستقبل كلاهما الفصائل الفلسطينية ويقدم وعودًا بالإعمار والاستثمار، ولا يعدم كلاهما أصواتًا فلسطينية وغير فلسطينية تشكر وتثني وتشيد، وتعاتب أحيانًا، لكنها لا تتوقف عن انتظار المزيد.
هذا الأمر واضح وظاهر للعيان منذ سنواتٍ عديدة، إذ جاءت أحداثٌ بينت أن لا فرق بين هذا وذاك في التطبيع، سعيًا إليه سعيًا حثيثًا، واستثمارًا فيه، كما حصل في مواقف عدّة، منها التقاء الإرادتين والفعلين في إطفاء الحرائق المشتعلة في غابات الاحتلال 2016، وكتبت وقتها تحت عنوان "أردوغان والسيسي في الحريق الإسرائيلي" إن إسرائيل كانت تستطيع إطفاء حرائقها، من دون مشاركةٍ خارجية، لكنها أرادت إطالة أمد الحريق أطول فترة ممكنة، من ناحيةٍ لتحصل على أكبر كمية من "السلام الدافئ"، ولتنفذ ما تشاء من سيناريوهات، بعد أن ينقشع الدخان، وبالحسابات الموضوعية، سجلت إسرائيل هدفين: توسيع الاستيطان وتسخين التطبيع، والأخير يأخذنا إلى قراءة هادئة في موقفي كل من أردوغان والسيسي من الحدث، إذ تثور مجموعة من الأسئلة، بشأن الأفعال، وردود الأفعال، منها: هل يختلف الحكم بصحة الفعل وأخلاقيته باختلاف الفاعلين؟ بصيغة أخرى: هل هناك سرقة حلال وسرقة حرام، وبالقياس ذاته: هل هناك تطبيع مقبول وتطبيع مرفوض؟ بمعنى آخر: إذا ارتكب أحد الذين نحبّهم فعلاً، كان دائماً مستهجناً منا، هل ندافع عنه، بينما إذا ارتكب أحد الذين لا نطيقهم الفعل ذاته، نرجمه بالحجارة؟! باختصار: هل القيم الأخلاقية موضوعية، أم ذاتية؟
هذه الأسئلة، وغيرها، فرضت نفسها حين اختلف معي أصدقاء في موضوع اشتراك كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعبد الفتاح السيسي، في فعل واحد. وكان رأيي، وما زال، أن العوار الأخلاقي هو: تبرير اندفاع أردوغان نحو التطبيع مع إسرائيل وإدانة السيسي على التصرف ذاته، فإما أن ترفضها من الطرفين أو تقبلها منهما، إذ ليس من المنطق أن يكون الفعل الواحد حكمة وكياسة من أنقرة، وخيانة وعمالة من القاهرة وأبوظبي.
المقارنة كانت، وستبقى، بين فعلين في موضوع واحد، وردود الأفعال عليهما، وليست بين شخصين، بينهما اختلافات في أمور أخرى.
ملحوظة: الكلام أعلاه إلى بشر أسوياء، تتجسّد فيهم مقولة فلسفية قديمة عن الفرق بين الإنسان والحيوان، مضمونها أن "الإنسان حيوان أخلاقي"، وليس إلى من احترفوا التمدّد وأعمال الحراسة أمام الدور التي تنبعث منها رائحة طهو اللحم والعظم.

وائل قنديل (العربي الجديد)
وائل قنديل
كاتب صحافي مصري من أسرة "العربي الجديد" عروبي الهوية يؤمن بأنّ فلسطين قضية القضايا وأنّ الربيع العربي كان ولا يزال وسيبقى أروع ما أنجزته شعوب الأمة