26 أكتوبر 2024
السيسي في رحلة صيد ليبية
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
الغارات الجوية التي يشنها الطيران الحربي المصري، منذ عدة أيام، على مناطق متعدّدة في ليبيا، أعطت الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، شحنة عالية من الثقة بالنفس، وبدا في تحركه العسكري والسياسي وكأنه يستدرك ما فاته من دور على المستوى الخارجي، منذ انقلابه على الحكم الشرعي في يوليو/ تموز 2013.
جرى الحديث عن دور مصري مباشر في "عاصفة الحزم" في اليمن منذ بدايتها في مارس/ آذار 2015، وجزمت أوساط مصرية رسمية، في أكثر من مناسبة، أن البحرية المصرية تتولى أمن باب المندب، من أجل منع إيران من السيطرة عليه، وتعريض الملاحة الدولية للخطر، وحصلت تسريباتٌ عن وجود خبراء مصريين في سورية إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولكن لم يثبت بالدليل الملموس أن القاهرة أرسلت قوات إلى اليمن أو خبراء إلى سورية، ما يرجّح أن الأمرين كانا من باب التسريبات المدروسة التي تحمل رسائل محدّدة.
ولا يعود استنكاف مصر عن المشاركة في "عاصفة الحزم" إلى عجز عسكري، وإنما هو نابع من حساباتٍ بازارية لدى نظام السيسي الذي برهن أنه لا يعطي بلا مقابل، وكشفت التسريبات الإعلامية التي تضمنت مكالمات بينه وبين بعض أركان حكمه عن عقليةٍ لا يحركها الحرص على دور مصر، بل المردود المالي. وبالتالي، لا يمكن وضع أي موقف لهذا النظام خارج هذه الحسابات. ومن هنا، يمكن تفسير حماسته للمشاركة في الحملة الجوية في ليبيا التي ربطها بالجريمة الإرهابية التي ارتكبها "داعش" في المنيا، وأول ملاحظةٍ تستوقف المراقب هنا هي أن السيسي لا يعمل في هذه الحملة من أجل ضرورة أو مصلحة مصرية، أو ضمن خطة عملٍ لمنع تمدّد الإرهاب من ليبيا إلى مصر، وإنما همه الأساسي إسناد اللواء خليفة حفتر الذي يرفض، منذ ثلاث سنوات، أي تسويةٍ ليبية بالتوافق بين أطراف النزاع، ويعمل من أجل إقامة حكم عسكري برئاسته.
والملاحظة الثانية أن دخول نظام السيسي عسكريا على خط الأزمة الليبية أمر غير موفق، ويتعارض مع ثوابت العلاقات المصرية الليبية التاريخية، وكان في وسع مصر أن تلعب دورا أكثر فائدة وتوازنا بتقريب المواقف، لا إذكاء النزاع وتسعير الحرب التي ذاق الليبيون كثيراً من ويلاتها، وقد جاءت الضربات العسكرية المصرية في وقتٍ قطعت فيه المصالحة الليبية شوطا مهما على طريق تعديل اتفاق الصخيرات، وبالتالي، سوف تشجع لعبة السيسي حفتر على استمرار القتال العبثي الدائر منذ عدة سنوات.
الملاحظة الثالثة أن تدخل السيسي في ليبيا لن يتجاوز حدود الضربات العسكرية الجوية، وهو، في جميع الأحوال، لن يرسل قواتٍ مصرية كي تقاتل على الأرض من أجل نصرة حفتر. وهنا بيت القصيد، حيث برهنت السنوات الثلاث الأخيرة أن نقطة ضعف حفتر تتمثل في عدم قدرته على توفير حشد عسكري يحسم النزاع لصالحه، ولم يكن ينقصه الطيران الحربي، فهو لديه عدة طائرات حربية تطير من مطارات الشرق الليبي، ولكنها لم تغيّر في موازين القوى.
يدرك السيسي هذه الحقيقة، ولكنه غير مكترث بها، طالما أنه يطمح إلى مكافئة مجزية من النفط الليبي، وليس هناك من يحاسبه على الأداء والنتائج. وبدوره يعيش حفتر حالة خاصة من البهجة، لأنه يعتقد أن التطورات في صالحه، ومهما حصل، لن يخسر شيئا مما حققه، رغم أن التدخل المصري يشكل خرقا لسيادة ليبيا وعدوانا مكشوفا على شعبها.
والأمر الذي يثير الأسف أن تصمت الأصوات في الشرق الليبي التي ثارت في فبراير/ شباط 2011 ضد حكم معمر القذافي، ولا تتحرّك من أجل وقف دخول السيسي على خط الأزمة. والأمر ذاته ينسحب على الأمم المتحدة التي لزمت الصمت حتى الآن، ولم تتحرّك للدفاع عن مبادرتها المعرّضة للانهيار.
جرى الحديث عن دور مصري مباشر في "عاصفة الحزم" في اليمن منذ بدايتها في مارس/ آذار 2015، وجزمت أوساط مصرية رسمية، في أكثر من مناسبة، أن البحرية المصرية تتولى أمن باب المندب، من أجل منع إيران من السيطرة عليه، وتعريض الملاحة الدولية للخطر، وحصلت تسريباتٌ عن وجود خبراء مصريين في سورية إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولكن لم يثبت بالدليل الملموس أن القاهرة أرسلت قوات إلى اليمن أو خبراء إلى سورية، ما يرجّح أن الأمرين كانا من باب التسريبات المدروسة التي تحمل رسائل محدّدة.
ولا يعود استنكاف مصر عن المشاركة في "عاصفة الحزم" إلى عجز عسكري، وإنما هو نابع من حساباتٍ بازارية لدى نظام السيسي الذي برهن أنه لا يعطي بلا مقابل، وكشفت التسريبات الإعلامية التي تضمنت مكالمات بينه وبين بعض أركان حكمه عن عقليةٍ لا يحركها الحرص على دور مصر، بل المردود المالي. وبالتالي، لا يمكن وضع أي موقف لهذا النظام خارج هذه الحسابات. ومن هنا، يمكن تفسير حماسته للمشاركة في الحملة الجوية في ليبيا التي ربطها بالجريمة الإرهابية التي ارتكبها "داعش" في المنيا، وأول ملاحظةٍ تستوقف المراقب هنا هي أن السيسي لا يعمل في هذه الحملة من أجل ضرورة أو مصلحة مصرية، أو ضمن خطة عملٍ لمنع تمدّد الإرهاب من ليبيا إلى مصر، وإنما همه الأساسي إسناد اللواء خليفة حفتر الذي يرفض، منذ ثلاث سنوات، أي تسويةٍ ليبية بالتوافق بين أطراف النزاع، ويعمل من أجل إقامة حكم عسكري برئاسته.
والملاحظة الثانية أن دخول نظام السيسي عسكريا على خط الأزمة الليبية أمر غير موفق، ويتعارض مع ثوابت العلاقات المصرية الليبية التاريخية، وكان في وسع مصر أن تلعب دورا أكثر فائدة وتوازنا بتقريب المواقف، لا إذكاء النزاع وتسعير الحرب التي ذاق الليبيون كثيراً من ويلاتها، وقد جاءت الضربات العسكرية المصرية في وقتٍ قطعت فيه المصالحة الليبية شوطا مهما على طريق تعديل اتفاق الصخيرات، وبالتالي، سوف تشجع لعبة السيسي حفتر على استمرار القتال العبثي الدائر منذ عدة سنوات.
الملاحظة الثالثة أن تدخل السيسي في ليبيا لن يتجاوز حدود الضربات العسكرية الجوية، وهو، في جميع الأحوال، لن يرسل قواتٍ مصرية كي تقاتل على الأرض من أجل نصرة حفتر. وهنا بيت القصيد، حيث برهنت السنوات الثلاث الأخيرة أن نقطة ضعف حفتر تتمثل في عدم قدرته على توفير حشد عسكري يحسم النزاع لصالحه، ولم يكن ينقصه الطيران الحربي، فهو لديه عدة طائرات حربية تطير من مطارات الشرق الليبي، ولكنها لم تغيّر في موازين القوى.
يدرك السيسي هذه الحقيقة، ولكنه غير مكترث بها، طالما أنه يطمح إلى مكافئة مجزية من النفط الليبي، وليس هناك من يحاسبه على الأداء والنتائج. وبدوره يعيش حفتر حالة خاصة من البهجة، لأنه يعتقد أن التطورات في صالحه، ومهما حصل، لن يخسر شيئا مما حققه، رغم أن التدخل المصري يشكل خرقا لسيادة ليبيا وعدوانا مكشوفا على شعبها.
والأمر الذي يثير الأسف أن تصمت الأصوات في الشرق الليبي التي ثارت في فبراير/ شباط 2011 ضد حكم معمر القذافي، ولا تتحرّك من أجل وقف دخول السيسي على خط الأزمة. والأمر ذاته ينسحب على الأمم المتحدة التي لزمت الصمت حتى الآن، ولم تتحرّك للدفاع عن مبادرتها المعرّضة للانهيار.
دلالات
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر