السيسي إنساناً: الحرية للنجوم
كل المحبوسين الذين وردت أسماؤهم في قائمة الإفراج، بقرار من عبد الفتاح السيسي، يستحقون الحرية، كما يستحقها عشرات الآلاف الذين تم حشرهم ظلما في ظلام الزنازين، فماذا عن هؤلاء؟
يلفت النظر، في قائمة المائة المبشرين بالعفو، أن غالبيتهم من الأسماء ذات الرنين والبريق في الميديا الغربية، بصريح العبارة من النجوم في الحراك الجماهيري، ويثير الانتباه أيضاً أن البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية كان حريصاً للغاية على وضع تعريف "ناشط سياسي" أمام اسم كل من أفرج عنهم.
لا يمكن، بالطبع، النظر إلى هذه الخطوة، بمعزل عن السياق الزمني، إذ تأتي قبيل أن يشد الجنرال المنقلب الرحال إلى أميركا، وبعيد تورط أجهزته الأمنية في جريمةٍ بنكهة الفضيحة الدولية، أسفرت عن قتل عدد كبير من السائحين المكسيكيين، قصفاً بطائرات الأباتشي التي كانت ثمرة حجته الماضية إلى نيويورك.
السياق الزمني كذلك، يفرض ما يدور في بوركينافاسو ، معياراً لتقييم ما جرى في مصر، إذ جاء انقلاب بقيادة "سيسي بوركيني" رفضه الاتحاد الأفريقي، وتحرك ضده الجيش الوطني، ودانته عواصم كبرى، حتى انتهى الأمر بإعادة الرئيس المنتخب، والحكومة، واعتذار قائد الانقلاب، في ظل اندلاع موجة عالية من المقارنات بين عطب الضمير العالمي وعطنه في تعامله مع انقلاب عسكر مصر، ويقظة هذا الضمير وانتعاشه في تصديه لانقلاب بوركينافاسو.
إذن. لم يجد عبد الفتاح السيسي ثمناً لتذكرة ذهابه إلى نيويورك، الأمم المتحدة، سوى حرية مائة سجين، من الأسماء المنشطة لغدد الحديث عن القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في الدوائر الغربية. لذا، كان حتمياً أن يكون على رأس القائمة صحافي الجزيرة الانجليزية محمد فهمي، حامل الجنسية الكندية.. هذا بيت القصيد في حركة التنقلات التي أجراها السيسي بين مظاليم سجونه، بإخراج مائة من النجوم، وإدخال عدد مساوٍ، وربما أكبر مكانهم.
فرحنا بالحرية لكل من شملهم قرار العفو، هو إنسان فاقد الحس من لم تنهمر دموعه فرحاً باللحظة التي ترتمي فيها سناء سيف في حضن والدتها الأستاذة الجامعية المناضلة، ليلى سويف، لكنه ليس إنسانا على الإطلاق، ولا ينتمي إلى البشرية من قريب أو من بعيد، من لم ينخلع قلبه حزناً على أن يدخل خالد محمد البلتاجي (16عاما) الزنزانة، قبل أن تغادرها سناء سيف، أو يارا رفعت سلام.
إنها اللعبة الوضيعة التي يمارسها المستبدون قطعاً للطريق على أية فرصة للالتقاء الإنساني بين فرقاء السياسة، والتي تقوم على الآتي: أفرج عن عدد من مشاهير الليبراليين واليساريين، في اللحظة التي تمعن فيه التنكيل بنظرائهم الإسلاميين، فتستفز جمهور التيار الإسلامي، فيستبد به الانفعال ليصب غضبه على النظام، ومن أفلت من قبضة النظام، وتنشب معركة السعداء بعودة حرية الشلة، ضد الحزانى على ضياع حرية الأهل والعشيرة، فيشتعل فضاء التواصل الاجتماعي بحرب التصنيفات، وتنتعش بورصة الانقسامات، وتندلع نار التقسيمات، فتضمن فترة ليست قصيرة الإجهاز على أي محاولة لاصطفاف بين أطراف معسكر "25 يناير".
هكذا حسبتها وخططت لها سلطة عبد الفتاح السيسي، غير أن أحداً من الجانبين لم يبتلع هذا الطعم المسموم، ولم يستسلم لدعوة الاشتباك والعراك الأيديولوجي التي خططوا لها، وتألقت إنسانية يناير مرة أخرى، حيث استبق الفرحون بخروج ذويهم فرحتهم بصب اللعنة على سلطة إجرامية، مطالبين بالحرية لأكثر من خمسين ألف محبوس ظلماً آخرين، ورد ذوو الذين لم يشملهم القرار على هذه الروح بأنبل منها، ففرحوا لحرية الاثنين من كل ألف سجين أو معتقل، واتفق كلاهما على التمسك بكل الحرية لكل الناس، والرغبة في التخلص من صناع هذا الجحيم المكارثي.
مجدداً.. مبروك الحرية لكل من عفي عنهم، يستحقونها، حتى وإن كانت بقرار ينضح وضاعة عنصرية، وتفوح منه رائحة الفاشية. حتى وإن كان الهدف من وضع أسماء كل من يارا سلام وسناء سيف وعمر حاذق في القائمة مجرد إضفاء لمسة تبدو إنسانية على قرار سياسي، يتزلف للخارج، أكثر مما يعتذر للداخل.