21 نوفمبر 2024
الدستور وثياب الإمبراطور الجديدة
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
تشبّه الأدبيات السياسية الشعبية معدّلي الدساتير بالترزية، الذين يُطلَبون في حالات الإسعاف والطوارئ السياسية. السؤال: لمَ كل هذا الصراع على الدساتير، وهي ليست سوى أثواب للزينة في يوم عرس الإمبراطور الديمقراطي؟ تقول العبارة الشائعة، التي تبلغ مرتبة القانون والقاعدة والعرف، إنّ الدستور وُضع ليُنتهك مثل الدريئة أو كيس الملاكمة، وقد عدّل حافظ الأسد بردعة دستوره الذي سمّاه "بدستور سورية الدائم" ثلاث مرات.
ظهر الصراع شديداً عدة مرات في سورية، لم يكن آخرها في السبعينيات على دين الرئيس في الدستور السوري، وهو دين الأكثرية في كل بلدان العالم إلا في دولٍ مثل الهند، حيث الحكم فيها غير رئاسي. احتال الرئيس السوري على بند الدين بدعم من بعض المرجعيات الشيعية في لبنان. لجنة الدستور السوري الحالي جرى العبث بها سنوات، وقدّمتْ مسوّدة روسية، وهو يصنع الآن في الغرب، مثل صناديق الانتخابات البلاستيكية الشفافة التي كانت تستورد من ألمانيا بالمارك واليورو. كان النظام يستورد العلب، ولم يكن يستورد العقل الذي يصنع العلب. العلب كان يمكن صناعتها في سورية، المحاصرون في الغوطة كانوا يصنعون أفضل منها.
عبث دي ميستورا باللجنة الدستورية موافَقةً للهوى الأميركي، لم يعد فيها أحدٌ يمثل الشعب السوري تمثيلاً صحيحاً، فهم إما من الأقليات الطائفية أو من الأقليات السياسية، وكان الأسد مصرّاً بعد أن استقر له الأمر كما للسيسي، أن يُقسم بغير الله، فجعل شرفه ومعتقده مكان الذات الإلهية التي بها يقسم السوريون بكل طوائفهم، ورأينا مدعوين إلى لجنة الدستور السوري المنكوب سعداء بالدعوة لزيارة سويسرا، والإقامة في فنادقها الفاخرة، فمعظم القادة السوريين فقراء وجوعى إلى الظهور والصور التذكارية مع طبّاخ "دستور مرق مرق مرق الأرنب" السيد دي ميستورا.
يتجلى شرف الأسد ومعتقده بما فعله بالدستور. كان ينكّل بالدستور وبشعب الدستور يومياً، بالقتل والتزوير والاستعباد الذي لم يره بلد عربي حتى الآن، فما نجا من أنياب الترزية وإبرهم وخيوطهم يُفسَد بالقوانين، حتى لتعلو القوانين الخادمة على مواد الدستور السيدة!
ويقال إن السيسي، وهو يسعى إلى "تزوير" الدستور، يحذو حذو كلاشينكو رئيس دولة بيلاروسيا، لكن الأمر لا يحتاج إلى استيراد أفكار كلاشينكو، فالأمثلة العربية كثيرة ونمطية. كان كلاشينكو قد ترك معارضَيْن اثنين من أصل تسعةٍ ينافسونه، دكّ سبعة منهم في السجون، الأسد لم يترك أحداً قط. استدعى الأسد الوريث أخيرا مرشحيْن اثنين للرئاسة، وفعل ما فعل كلاشينكو. نسي السوريون الدستور كأنه ذكرى بعيدة من العصر الجاهلي الذي كان من الواجب أن يكون حاضراً في الحياة السياسية. لم يكن يُذكَر الدستور إلا عرضاً في مناسبة انتخاب الرئيس، مثل المأذون الذي يحضر لعقد القران، وهو دستور أكله الحمار، كما تقول أشهر عبارة سورية ساخرة.
وسبب الصراع عليه أنه وثيقة استسلام، الدستور يشبه الاعتراف الذي ينتزع من المعتقل السوري قسراً، بكل الخيانات التي اقترفها الرئيس، ولم يقترفها المعتقل، إنها وثيقة اعتراف جماعية بالنظام منتصراً. العلم السوري المزروع في الحواجز السورية عليه صورة الأسد، وكان شقيق الرئيس السوري قد طبع صورته على المصحف، الرموز كلها منتهكة، فلمَ كل هذا الصراع على الدستور الذي إذا نُقع بالماء مثل الخبز اليابس المنضب ما عاد صالحاً للشرب؟
جاءت الأوامر في مصر أخيرا للإعلام بتجميد نفير التعديل الدستوري الذي يتيح الفرصة للسيسي باعتلاء أم الدنيا دزينةً أخرى من السنين العجاف. يمكنه تعديل الدستور مرة أخرى بعد خمس عشرة سنة، إن لم يكن من أجله، فمن أجل ابنه الذي يصعد في المناصب العسكرية. وقد رضي عمرو موسى، وهو من هو في الذكاء والحضور والتاريخ السياسي إذا ما قورن بالسيسي، أن يكون خيّاطاً لدستور للسيسي المنتهك، كما كان حمدين صباحي تيساً مستعاراً في الانتخابات. لقد حظي عمرو موسى بعشرات المواقف التي يمكن أن تجعله بطلاً، لكنه اختار دائماً دور محجوب في "حضرة المحترم".
ليس الدستور للتطبيق والشرعة، ولم يكن يوماً عقداً، إنه آية الانتصار، وبرهان هزيمة الخصم السياسي. يشبه الدستور العربي إعلان الفتوة بعد الهزيمة في المبارزة بالنبّوت على يد خصمه: "أنا مرا"، في الحارة المصرية. ليس أشدّ على العربي من الإقرار بتغيير جنسه. لا يكتفي الرئيس من الشعب الإقرار بأنه "مرا"، وتغيير جنسه، ويتجاوزه إلى الاغتصاب.. الشامل.
ظهر الصراع شديداً عدة مرات في سورية، لم يكن آخرها في السبعينيات على دين الرئيس في الدستور السوري، وهو دين الأكثرية في كل بلدان العالم إلا في دولٍ مثل الهند، حيث الحكم فيها غير رئاسي. احتال الرئيس السوري على بند الدين بدعم من بعض المرجعيات الشيعية في لبنان. لجنة الدستور السوري الحالي جرى العبث بها سنوات، وقدّمتْ مسوّدة روسية، وهو يصنع الآن في الغرب، مثل صناديق الانتخابات البلاستيكية الشفافة التي كانت تستورد من ألمانيا بالمارك واليورو. كان النظام يستورد العلب، ولم يكن يستورد العقل الذي يصنع العلب. العلب كان يمكن صناعتها في سورية، المحاصرون في الغوطة كانوا يصنعون أفضل منها.
عبث دي ميستورا باللجنة الدستورية موافَقةً للهوى الأميركي، لم يعد فيها أحدٌ يمثل الشعب السوري تمثيلاً صحيحاً، فهم إما من الأقليات الطائفية أو من الأقليات السياسية، وكان الأسد مصرّاً بعد أن استقر له الأمر كما للسيسي، أن يُقسم بغير الله، فجعل شرفه ومعتقده مكان الذات الإلهية التي بها يقسم السوريون بكل طوائفهم، ورأينا مدعوين إلى لجنة الدستور السوري المنكوب سعداء بالدعوة لزيارة سويسرا، والإقامة في فنادقها الفاخرة، فمعظم القادة السوريين فقراء وجوعى إلى الظهور والصور التذكارية مع طبّاخ "دستور مرق مرق مرق الأرنب" السيد دي ميستورا.
يتجلى شرف الأسد ومعتقده بما فعله بالدستور. كان ينكّل بالدستور وبشعب الدستور يومياً، بالقتل والتزوير والاستعباد الذي لم يره بلد عربي حتى الآن، فما نجا من أنياب الترزية وإبرهم وخيوطهم يُفسَد بالقوانين، حتى لتعلو القوانين الخادمة على مواد الدستور السيدة!
ويقال إن السيسي، وهو يسعى إلى "تزوير" الدستور، يحذو حذو كلاشينكو رئيس دولة بيلاروسيا، لكن الأمر لا يحتاج إلى استيراد أفكار كلاشينكو، فالأمثلة العربية كثيرة ونمطية. كان كلاشينكو قد ترك معارضَيْن اثنين من أصل تسعةٍ ينافسونه، دكّ سبعة منهم في السجون، الأسد لم يترك أحداً قط. استدعى الأسد الوريث أخيرا مرشحيْن اثنين للرئاسة، وفعل ما فعل كلاشينكو. نسي السوريون الدستور كأنه ذكرى بعيدة من العصر الجاهلي الذي كان من الواجب أن يكون حاضراً في الحياة السياسية. لم يكن يُذكَر الدستور إلا عرضاً في مناسبة انتخاب الرئيس، مثل المأذون الذي يحضر لعقد القران، وهو دستور أكله الحمار، كما تقول أشهر عبارة سورية ساخرة.
وسبب الصراع عليه أنه وثيقة استسلام، الدستور يشبه الاعتراف الذي ينتزع من المعتقل السوري قسراً، بكل الخيانات التي اقترفها الرئيس، ولم يقترفها المعتقل، إنها وثيقة اعتراف جماعية بالنظام منتصراً. العلم السوري المزروع في الحواجز السورية عليه صورة الأسد، وكان شقيق الرئيس السوري قد طبع صورته على المصحف، الرموز كلها منتهكة، فلمَ كل هذا الصراع على الدستور الذي إذا نُقع بالماء مثل الخبز اليابس المنضب ما عاد صالحاً للشرب؟
جاءت الأوامر في مصر أخيرا للإعلام بتجميد نفير التعديل الدستوري الذي يتيح الفرصة للسيسي باعتلاء أم الدنيا دزينةً أخرى من السنين العجاف. يمكنه تعديل الدستور مرة أخرى بعد خمس عشرة سنة، إن لم يكن من أجله، فمن أجل ابنه الذي يصعد في المناصب العسكرية. وقد رضي عمرو موسى، وهو من هو في الذكاء والحضور والتاريخ السياسي إذا ما قورن بالسيسي، أن يكون خيّاطاً لدستور للسيسي المنتهك، كما كان حمدين صباحي تيساً مستعاراً في الانتخابات. لقد حظي عمرو موسى بعشرات المواقف التي يمكن أن تجعله بطلاً، لكنه اختار دائماً دور محجوب في "حضرة المحترم".
ليس الدستور للتطبيق والشرعة، ولم يكن يوماً عقداً، إنه آية الانتصار، وبرهان هزيمة الخصم السياسي. يشبه الدستور العربي إعلان الفتوة بعد الهزيمة في المبارزة بالنبّوت على يد خصمه: "أنا مرا"، في الحارة المصرية. ليس أشدّ على العربي من الإقرار بتغيير جنسه. لا يكتفي الرئيس من الشعب الإقرار بأنه "مرا"، وتغيير جنسه، ويتجاوزه إلى الاغتصاب.. الشامل.
دلالات
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر
مقالات أخرى
07 نوفمبر 2024
24 أكتوبر 2024
10 أكتوبر 2024