الدحلانيون في العدوان على غزة

11 يوليو 2014

دخان يتصاعد بعد غارة إسرائيلية (10 يوليو/أ.ف.ب)

+ الخط -

 

كان الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، يردد قبل اجتياح إسرائيل لبنان، عام 1982، أن المنطقة العربية مقبلة على الزمن الرديء. ولم تكذب رؤية "الختيار"، فالشرق الأوسط شهد منذ ذلك الحين سلسلة انهيارات متواصلة، مثَل الاحتلال الأميركي للعراق وتسليمه لإيران حدثاً أساسياً فيها، وتلاه تدمير سورية، الحاضرة الأهم في المشرق العربي.
البرهة المشرقة الوحيدة، في هذا الوضع الكارثي، نافذة الأمل التي فتحها الربيع العربي لشعوب المنطقة، من أجل تهوية هذا الفضاء الفاسد، لكن العالم كله تكالب عليها غرباً وشرقاً، فتم اغتيال أول تجربة ديموقراطية في مصر، وجرى التواطؤ على ثورة الشعب السوري، وهناك محاولات جارية من أجل إجهاض الثورات التونسية والليبية واليمنية.
إزاء ما نحن فيه من مصاب وطني وإنساني جلل، لا يتورع بعض بني جلدتنا من حملة الأقلام عن توظيف قلمه من أجل تبرير الكوارث، التي ترتبت على مراحل الديكتاتورية المديدة في بلدان الربيع العربي، ويصر على ألا يرى ما خلفته الأنظمة البائدة من عفنٍ، ظهر كله على السطح بمجرد سقوطها. يحاول هؤلاء أن يزّينوا الديكتاتورية في عيون الناس، ولذا، يرمون على الثورات مسؤولية الألغام، التي زرعها الطغاة عقوداً، وتركوها خلفهم لتنفجر، بمجرد أن يغادروا كراسي الحكم.
هؤلاء أنفسهم يرفعون، اليوم، رؤوسهم ليتشفّوا بالشعب الفلسطيني، الذي يتعرض للعدوان الإسرائيلي المتواصل. وقد خرج نفر منهم، أخيراً، ليلقي اللوم على الفصائل الفلسطينية، التي تدافع عن غزة، ويحملها مسؤولية إقدام إسرائيل على شن حربٍ جديدة على القطاع. وينطلق منطق هؤلاء من مبرراتٍ متهافتةٍ، تضع إسرائيل في مكانة المعتدى عليها، فهي، في نظرهم، قد انسحبت من قطاع غزة، وأن القطاع تحت إدارة حركة "حماس"، منذ طرد محمد دحلان منه سنة 2007. وبالنسبة إليهم، فشلت الحركة في إدارة القطاع، متناسين أنها تتحمل مسؤولية منطقة محاصرة من الجهات كافة، ولها الفضل في تنظيم شؤون الناس، الذين يتعرضون لعقوبات جماعية من إسرائيل ومصر، تصل إلى حد خنقهم حتى الموت جوعاً ومرضاً.
من يراقب الصحافة الإسرائيلية يجد أن بعضها يقرأ العمليات العسكرية بلغةٍ أكثر إنصافاً من بعض وسائل الإعلام العربية. والصحف الإسرائيلية لا تقوم بذلك من منطلق الأمانة المهنية، أو من قبيل تفهم ظروف الفلسطينيين، وإنما من باب الحرص على إسرائيل، وهي تبدي تخوفات من عواقب تهور أصحاب القرار في إسرائيل، وما يمكن أن تجره الحسابات الخاطئة على الإسرائيليين.
لو أن بعض الإعلاميين العرب تأمل ما يكتبه بعض كتاب الرأي في إسرائيل، ومنهم صهاينة عتاة، لخجل من نفسه كثيراً، قبل أن يصدر حكماً على أهالي غزة الذين هم، في نظر الصحافة العربية المتخاذلة، من تحرشوا بإسرائيل، فعليهم، إذن، أن يتحملوا وحدهم نتائج العدوان.
يريد هؤلاء أن يقنعوا العالم بأن المشكلة تكمن في المقاومة، ومثلما اعتبر إرييل شارون وجورج بوش أن عرفات عقبة أمام السلام، ولا بد من استبداله بقيادة "معتدلة"، فإن كتائب القسام وسرايا القدس والصواريخ البسيطة ومحلية الصنع هي السبب، الذي يمنع الاستقرار الأمني. ويسقط هؤلاء من اعتباراتهم ومعاييرهم أن إسرائيل ترفض، إلى اليوم، ليس تنفيذ اتفاقات السلام التي وقعتها مع الفلسطينيين فحسب، بل تصر على معاملتهم كما لو أنهم دون البشر، الذين يستحقون الحياة. لا أحد من العالم الحر، ولا عرب الاستقرار الوهمي، أحرج ضميرَه حصارُ شعب كامل من البر والبحر والجو. حصار تتساوى فيه إسرائيل العدو مع مصر الشقيقة، وتتباريان في التفنن بوسائل خنق المدنيين، الذين يعيشون في ظل ظروف غير لائقة بالبشر في القرن الحادي والعشرين.
زمن رديء حقاً. أن يعيش المرء ليقرأ صحافيين عرباً يستنكرون على حركة "حماس" تصديها لإسرائيل، ودفاعها عن المدنيين في وجه العربدة الصهيونية.

شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر