الحدث الإيراني حدثاً لبنانياً داخلياً

30 سبتمبر 2022

قوة للجيش اللبناني في النبطية وصور قادة إيرانيين على لافتة لحزب الله (15/5/2022/فرانس برس)

+ الخط -

يُعيدنا الحدث الإيراني المستجد إلى النقاش الذي يستمر بالظهور في لبنان بالترافق مع أي حدث سياسي، سواء في المحيط العربي أم على المستوى الكوني. نقاش بشأن جدوى ما يجري، وحول فائدته وأثره على لبنان. ذلك لأن حدود الرؤية عند بعض اللبنانيين تنحصر ضمن مساحة 10452 كلم مربعا. وكأن لبنان جزيرة منفصلة، وأي تغيير في العالم، بإمكاننا، لا بل من واجبنا نحن اللبنانيين، أن نبقى في منأى عنه.

من هذا المنطلق، يرى لبنانيون أن التركيز على الانتفاضة الإيرانية الناتجة عن قتل "شرطة الأخلاق" الشابة مهسا أميني لارتدائها الحجاب "بشكل غير لائق" وفق توصيفهم، انكفاء عن الحدث اللبناني. وأن الضرورة تقتضي التركيز على الشأن اللبناني لمعالجة تداعيات الانهيار الاجتماعية والحياتية، وغيرها من قضايا حرجة وخطرة، من مراكب الموت البحرية، إلى مصادرة المصارف للودائع، إلى جريمة المرفأ .. إلخ. في حين أن المنطق السياسي يحسم أن الانتفاضة الإيرانية أقرب إلينا، في لبنان، من حبل الوريد. وهي أشدّ وأعمق أثرًا سياسيًا من الانتخابات النيابية، ومن تلك الرئاسية التي بتنا في مجالها الزمني. لا بل إن الانتفاضة أشدّ وقعًا من كل محاولات معالجة الأزمات الاجتماعية التي تعصف بحياة اللبناني، لأن أي تغيير في إيران هو بوابة الحل السياسي الجذري الذي يشكّل العمود الفقري لمعالجة الأزمات اللبنانية. خصوصًا بعدما لعب حزب الله دور السد المنيع في وجه انتفاضة الشعب اللبناني في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، حين حمى النظام الذي يديره ويستفيد منه، وحمى شركاءه في السلطة وفي استباحة الدولة بكل ما فيها.

أي تغيير في إيران هو بوابة الحل السياسي الجذري الذي يشكّل العمود الفقري لمعالجة الأزمات اللبنانية

لم تشهد السنتان الأخيرتان ما يريح اللبنانيين، ولا أي حدث جلل يخلط أوراق الحل السياسي الجدي في الداخل أو الخارج. إذ دخلنا مع الانهيار في حالة ثباتٍ على مستوى المنعطفات الداخلية الحاسمة، ولم تجر سوى بعض الأحداث والاستحقاقات التي لا تغيّر واقع الأمر، أحداث بمثابة حركة ضئيلة في حلقة مفرغة. بل تم تسليم لبنان إلى المفاوض الإيراني بالكامل، ورقة ضغط في ملفه النووي، فتم تحقيق محاولاته المستمرّة للحفاظ على نفوذه المتعاظم في لبنان. إذ من غير الخفي على أحد أن لبنان في مجال الهيمنة الإيرانية، لأن حزب الله الذي هو الطرف الأقوى في النظام، ونقطة ارتكازه، يرتبط عضويًا بالنظام في طهران، وذلك بلسان أمينه العام حسن نصرالله الذي قال غير مرّة إنه ينتمي لمشروع ولاية الفقيه، كما أكّد على أن تمويل الحزب، وعتاده، وسلاحه، وصولًا إلى لباسه، هو من إيران. بالإضافة إلى أن الانتخابات الرئاسية اللبنانية، منذ وصول ميشال عون، وهو مرشّح حزب الله، أحكمت قبضة إيران على لبنان، فباتت الرئاسات الثلاث في مجال النفوذ الإيراني بالكامل.

ولكن حينما بدأت أخبار الحدث الإيراني بالتواتر، ومع كل يوم جديد، وكل تظاهرة جديدة في محافظة جديدة، أخذت الأوراق في المنطقة عمومًا، وفي لبنان خصوصًا، تُخلط من جديد. وإن لم تصل الانتفاضة الإيرانية إلى منعطفات حاسمة يمكن البناء عليها، ولو بالحدّ الأدنى، سلبًا أم إيجابًا.

تؤشّر كل هذه المعطيات إلى أن ما يجري في إيران ليس حادثًا عابرًا في الشأن اللبناني، بحيث تتساوى إمكانية الاهتمام به أو تجاهله. بل تتعزّز إمكانية القول، بكل وضوح ومباشرة، إن الحدث الإيراني هو في هذه الشروط بمثابة شأن لبناني داخلي. هذا من دون الكلام عن العواصم العربية الأخرى، دمشق وبغداد وصنعاء، والتي تقع تحت النفوذ الإيراني، مع ما يعنيه من أثر الانتفاضة الإيرانية على لبنان، إن لم يكن بالمباشر، فبغير المباشر من خلال علاقاته بتلك العواصم.

من الممكن أن ينقلب حزب الله على المعادلة القائمة ويحسم الأمر في لبنان

ولأن حزب الله الذراع الإيرانية الأقوى، يبقى الوضع في لبنان أكثر دقّة من هذه العواصم. ما يحتّم أن يكون أي تغيير في إيران شرطًا لتغيير ما في لبنان، ليس بالضرورة بكسر شوكة الحزب، كما يسارع بعضهم واهمًا. بل يمكن أن يُحكِم حزب الله سيطرته على البلد عسكريًا، بعد أن يلمس أن خزّان قوته في إيران بات في حكم التلاشي، فبهدف المحافظة على وجوده في المنطقة، وحفظ مكان له في المستقبل، وفرض نفسه على طاولة المفاوضات، من الممكن أن ينقلب الحزب على المعادلة القائمة ويحسم الأمر في لبنان، حسمًا أقوى من غزوة 7 أيار عام 2008 حين استباح بيروت.

تعقيدات المشهد، وكثرة تداخلاته وتشعباته، تمنع وضع أي توقّع وتصوّر مسبق عن إمكانية ما ستؤول الأمور إليه في إيران، إلا أن تواتر الانتفاضات المستمر منذ سنوات، وبهذا الشكل المتسارع، بالإضافة إلى الأزمات العميقة التي تواجه النظام، على مستوى حساسية الأقليات، أو على مستوى الحريات وقمع النساء، أو على مستوى انهيار التومان (العملة) الإيراني، كذلك مقتل قاسم سليماني، ناهيك بالوضع الصحي للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، كلها ترجّح أن تُقلب المعادلة، وأن يكون الوضع في غير صالح النظام، وإن استطاع القضاء على هذه الانتفاضة بعد الاستخدام المفرط للعنف. كثرة الاحتجاجات، ومن طبقات وشرائح اجتماعية وجندرية وإثنية مختلفة، ولأسباب متعدّدة، يُظهر مدى مأزق النظام الإيراني، مع ما يفتحه هذا من احتمالات في لبنان، قد تكون إيجابية، وقد تكون أخطر من الأيام الكارثية التي يعيشها اللبنانيون اليوم.

باسل. ف. صالح
باسل. ف. صالح
كاتب لبناني، أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية