التمييز ضد النساء ضمانة للنسيج الاجتماعي!
لم تأت من فراغ المشاجرة الاستعراضية في مجلس النواب الأردني يوم الثلاثاء 28 الشهر الماضي (ديسمبر/ كانون الأول)، فالجلسة كانت مخصّصة لبحث تعديلات دستورية وضعتها لجنة ملكية لتحديث المنظومة السياسية، وأحالتها الحكومة إلى المجلس النيابي. وكانت اللجنة القانونية في المجلس قد أقرّت مشروع تعديل الدستور الأردني لسنة 2021، ومنه تغيير اسم مجلس الأمن الوطني إلى مجلس الأمن القومي، وعدم ترؤس الملك المجلس كونه رأسا للسلطة التنفيذية، وتقليص مدة رئاسة مجلس النواب لسنة بدلا من سنتين، ثم تمّت دعوة المجلس النيابي إلى الانعقاد للنظر في ما أقرته اللجنة القانونية.
وقد بدأ نظر النواب في التعديلات من المادة السادسة في الدستور الأردني التي تنص على أن "الأردنيين أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين". وكانت اللجنة الملكية لتحديث السياسات قد أضافت "والأردنيات" بعد كلمة "الأردنيون". وفي مستهل المناقشات، قال النائب رائد سميرات في مداخلته: "لا يجوز تشويه اللغة العربية ... هذا عيب علينا (كلمة) الأردنيون (الواردة في الدستور) تشمل جميع الفئات"، واحتج رئيس المجلس، عبدالكريم الدغمي، على كلمة عيب قائلا إن "هذه الكلمة لا تُحكى هنا". وجرت إثر ذلك بين عدد من النواب ملاسنات واحتكاكات عنيفة، حالت دون النظر في هذا التعديل. ولم يأت ذلك من فراغ، كما أن الخلاف بشأن إضافة كلمة الأردنيات لم يكن لغويا، إذ إن كلمة "الأردنيون" تدلّ حقاً على جميع الأردنيين، ذكورا وإناثا، وقد تعني أيضا الذكور حصراً، وفقا للسياق ولأهداف قائل هذه الكلمة أو كاتبها. ولضمان عدم التعسّف في استخدامها، وفي أضعف الأحوال من أجل رفع أي لُبس محتمل، فقد تمت إضافة كلمة "الأردنيات" في التعديلات المقترحة، علما أن آيات في القرآن الكريم خاطبت "المؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصابرين والصابرات".
سعت قوى نسائية واجتماعية، بلا طائل، إلى منح أبناء الأردنيات الجنسية في ظروف معينة، غير أن هذه الجهود اصطدمت برفض المجلس النيابي
ولأن الخلاف ليس لغويا (وإلا لأمكن حسمه بالاحتكام إلى مجمع اللغة العربية مثلا)، بل يتعلق بتقرير مكانة المرأة قانونيا، وبوجهة الحراك الاجتماعي، فقد بادر حزب جبهة العمل الإسلامي إلى استنفار القطاع النسائي للتنديد بمقترح إضافة كلمة الأردنيات، ومن دون التطرق إلى الجانب اللغوي في صياغة المادة الدستورية مثار الخلاف، بالقول إن إضافة هذه الكلمة "تثير إشكالات قانونية وتمس بالنسيج الاجتماعي"، بل رفض الحزب صراحة التنصيص على تمكين المرأة في بندٍ لاحقٍ من بنود المادة السادسة، والذي يرد فيه "تكفل الدولة تمكين المرأة ودعمها للقيام بدور فاعل في بناء المجتمع، بما يضمن حقها في تكافؤ الفرص على أساس العدل والإنصاف، وحمايتها من جميع أشكال العنف والتمييز"، إذ رفض تمكين المرأة، ورفض عبارة "أشكال التمييز"، معتبرا أنها ذات "أبعاد خطرة" على النسيج الاجتماعي. وبهذا، فإن رفع التمييز عن المرأة كلما وُجد يمثل، في رأي الحزب وقطاعه النسائي، "خطرا على النسيج الاجتماعي". وتبعاً لذلك، يمثل التمييز ضد المرأة كلما ارتئي ضمانةً لتماسك هذا النسيج!
وبينما يعبّر حزب جبهة العمل الإسلامي عن الحركة الإسلامية التاريخية، فإنه يعدّ الحزب الرئيسي للمعارضة وعمودها الفقري، ويعبّر في هذا الشأن أيضا، وللمفارقة، عن اتجاهات نافذة لدى قوى محافظة، تمثل قاعدة اجتماعية واسعة للحكم، ولا ترى هذه القوى في المرأة كائنا مساويا للرجل، لما لذلك من انعكاساتٍ على التراتبية الاجتماعية، وعلى فرص الترقّي والتصدّر. وتجد هذه الاتجاهات صدى لها في مجلس النواب (يضم الحالي التاسع عشر 15 نائبة من جملة 130 عضوا، وقد فزن جميعهن وفق نظام الكوتا، وضم المجلس السابق خمس نائبات فزن بالتنافس الانتخابي علاوة على من فزن بالكوتا).
كما تكمن في خلفية التحفظات على عبارة "الأردنيون والأردنيات" هواجس بأن يمكّن ذلك، في ظروف معينة، أبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردني من التمتع بالجنسية الأردنية، علما أن هذا الحق مقصورٌ في القوانين على من ولد لأب وأم أردنيين. وفي حالات أخرى لـ "من ولد لأب أردني وأم غير أردنية". وقد سعت قوى نسائية واجتماعية، بلا طائل، إلى منح أبناء الأردنيات الجنسية في ظروف معينة، غير أن هذه الجهود اصطدمت برفض المجلس النيابي، وجرت الاستعاضة عن منح الجنسية بتمتيع أبناء الأردنيات ببعض "الحقوق الحياتية" التي يحظى بها المواطنون.
هناك من يرغب بتحديث الإدارة عبر الاستخدام الموسع للتكنولوجيا، ولكن من دون تغيير عميق في المفاهيم العامة
في مقابل حراك القطاع النسائي للحركة الإسلامية باتجاه تثبيت ما هو قائم على صعيد التشريعات والنظرة إلى المرأة، بادرت منظمات مجتمع مدني وجمعيات نسائية إلى وقفةٍ أمام مجلس النواب، رافعة شعار "المساواة حق". وقد ذكرت الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، سلمى النمس، أن "الوقفة هي للتأكيد على مطالب الحركة النسوية الأردنية منذ أكثر من ثلاثة عقود، بتعديل المادة السادسة من الدستور بإضافة: عدم التمييز على أساس الجنس". وأوضحت أن ما تطالب به الحركة النسوية "موجود في أكثر من 11 دولة عربية، ولم يكن له أي تأثير سلبي على المجتمع ولا على الأسرة والعلاقات الاجتماعية"، وذلك في ردٍّ على المزاعم بأن رفع التمييز عن المرأة يمسّ بالنسيج الاجتماعي وبمنظومة الأسرة. فيما قالت رئيسة اتحاد المرأة الأردنية، آمنة الزعبي، إن مبدأ المساواة وعدم التمييز لتمكين المرأة من القيام بواجباتها، على قاعدة الحق والواجب، هو أيضاً ركيزة أساسية من ركائز بناء الدولة الأردنية الحديثة". وليس سرّا أن هناك من يرغب بتحديث الإدارة عبر الاستخدام الموسع للتكنولوجيا، ولكن من دون تغيير عميق في المفاهيم العامة، ومن دون الأخذ بمقتضيات المواطنة إلا بحدود، مع السعي إلى إدامة الجمع بين الاعتبارات الجهوية والعائلية والجندرية وبين مقتضيات إرساء دولة حديثة.
يُذكر أن مُخرجات لجنة التحديث الملكية عُنيت أساسا بإعادة النظر في قانوني الأحزاب والانتخابات، بما يمكّن مستقبلا من وصول الأحزاب، بوتيرة أعلى وأكبر، إلى مجلس النواب، وتشكيل حكومات برلمانية، بما يجعلها في حُكم المنتخبة، بدلا من اللجوء إلى سياسة تعيين الحكومات، وهي المتبعة منذ نحو سبعة عقود من تاريخ المملكة.