التطبيع الإماراتي مع النظام السوري .. خلفياته وأهدافه

16 نوفمبر 2021

بشار الأسد يستقبل وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد في دمشق (9/11/2021/الأناضول)

+ الخط -

قام وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، يوم 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، بزيارة إلى دمشق، هي الأولى منذ عشر سنوات، التقى خلالها رئيس النظام السوري بشار الأسد، ووجّه إليه دعوة لزيارة الجناح السوري في معرض "إكسبو دبي 2020". وتأتي هذه الزيارة في سياق سلسلة خطوات بدأتها الإمارات العربية المتحدة عام 2018؛ بهدف إعادة تأهيل النظام السوري وتطبيع العلاقات معه، في إطار جهودٍ تُشارِك فيها أيضًا، لأسباب مختلفة، كل من الأردن والجزائر ودول عربية أخرى.

تطور الموقف الإماراتي من الثورة السورية

رأت الإمارات، مع انطلاق الثورة السورية مطلع عام 2011، مثل دول خليجية أخرى، في حراك الشعب السوري فرصةً لاحتواء النفوذ الإيراني وتطويقه في المنطقة؛ فانضمّت إلى جهود عزل النظام السوري داخل جامعة الدول العربية، وأدّت دورًا مهمًا في دعم المعارضة السورية، وخصوصًا في إطار مجموعة أصدقاء الشعب السوري، التي جرى تشكيلها مطلع عام 2012 لحل الأزمة السورية خارج إطار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتجنّب الموقفين الروسي والصيني المؤيدين للنظام. لكنّ الموقف الإماراتي لم يستمر طويلًا؛ إذ بدأت أبوظبي - التي تحولت إلى خصم إقليمي بارز ومعلَن لثورات الشعوب العربية بدايةً من عام 2013 - تتخذ موقفًا غامضًا من الثورة السورية، وصارت تقدّم مساعدات للنظام السوري في إطار تحوّل نظرتها إلى الصراع في سورية، من كونه فرصةً لاحتواء إيران إلى كونه جزءًا من الحرب على الإرهاب. ففي عام 2014، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن إدراج شركة النفط الإماراتية "بانغيتس العالمية" Pangates International Corporation Limited ضمن القائمة السوداء للكيانات الخاضعة للعقوبات. وذلك نتيجة خرقها العقوبات المفروضة على النظام السوري، وتزويدها سلاح الجو التابع له بوقود الطائرات. وكانت أبوظبي تحوّلت قبل ذلك إلى ملجأ لرؤوس الأموال والأصول المالية التابعة للنظام السوري والشخصيات المقرّبة منه، الهاربة من العقوبات الغربية، على الرغم من انقطاع العلاقات الدبلوماسية رسميًا بين البلدين منذ مطلع عام 2012.

كان يجري إطفاء بطاريات صواريخ أرض - جو السورية، وقت تحليق الطائرات الإماراتية في سماء سورية لاستهداف التنظيم، في أوضح مؤشّر دالّ على قوة التنسيق بين الطرفين

وكانت الإمارات أول دولة عربية تشارك في قصف مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في سورية، مع انطلاق الحملة الجوية لقوات التحالف الدولي الذي أنشأته واشنطن في أيلول/ سبتمبر 2014. ولم يكن في ذلك مشكلة، فقد مثّل التنظيم خطرًا على الثورة السورية والشعبين السوري والعراقي، ولكن الفرق أن أبوظبي كانت تنسّق في ذلك مع النظام السوري. وبحسب تقارير غربية، كان يجري إطفاء بطاريات صواريخ أرض - جو السورية، وقت تحليق الطائرات الإماراتية في سماء سورية لاستهداف التنظيم، في أوضح مؤشّر دالّ على قوة التنسيق بين الطرفين. وبعكس مواقف دول الخليج الأخرى، امتنعت أبوظبي عن انتقاد التدخل العسكري الروسي في سورية في عام 2015. وبعد شهرين، تحوّل الموقف الإماراتي من الصمت إلى الترحيب بالتدخل الروسي؛ إذ صرّح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، إن روسيا تستهدف في سورية عدوًا مشتركًا بينها وبين الإمارات. وفي عام 2016، أعلنت الإمارات أنها تشارك روسيا رؤيتها للحل في سورية؛ ما يعني ضمنًا أنها لا تعارض استمرار نظام الأسد.

وكانت الإمارات أول دولة عربية تعيد فتح سفارتها في دمشق، في كانون الأول/ ديسمبر 2018. وفي مطلع عام 2020، جرى أول اتصال هاتفي علني بين ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، ورئيس النظام السوري، منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 2012. وعلى الأثر، بدأت أبوظبي إرسال مساعدات طبية إلى النظام السوري لمواجهة تفشّي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19). وموّلت أيضًا عملية إعادة بناء بعض المباني العامة، ومحطّات الطاقة الحرارية، وشبكات المياه في دمشق. ونشرت وسائل إعلام غربية تفاصيل حصول تعاون بين الإمارات ونظام الأسد لمواجهة تركيا في كل من سورية وليبيا، بما في ذلك دعم أبوظبي محاولات النظام السوري إشغال تركيا في إدلب أواخر عام 2019 ومطلع عام 2020؛ بما يمكّن اللواء المتقاعد خليفة حفتر من الإجهاز على طرابلس. ويربط كثيرون قرار معسكر شرق ليبيا إعادة فتح السفارة الليبية، في دمشق في آذار/ مارس 2020، بجهود الإمارات لتعويم النظام في دمشق ورفع مستوى التعاون بين الأسد وحفتر. وفي 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بلغ التطبيع بين الجانبين ذروته، حينما أجرى رئيس النظام السوري اتصالًا هاتفيًا مع محمد بن زايد، جرى خلاله الاتفاق على إيفاد وزير الخارجية، عبد الله بن زايد، إلى دمشق. وقد سبق ذلك قيام وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام السوري، محمد سامر خليل، بزيارة إلى دبي تلبية لدعوة للمشاركة في "إكسبو دبي 2020".

أسباب اندفاع الإمارات إلى التطبيع مع النظام السوري

يمثل التطبيع الإماراتي مع النظام السوري جزءًا من استراتيجية علنية اتضحت ملامحها منذ سنوات، وتشمل، إضافة إلى إعادة تأهيل النظام السوري، تسهيل وصول نظم عسكرية إلى السلطة في العالم العربي، وإدماج إسرائيل في النظام الإقليمي العربي بعد أن وقعت أبوظبي اتفاقية سلام وتطبيع العلاقات معها بداية من أيلول/ سبتمبر 2020. ويمكن تحديد جملة أسباب وراء تسريع خطوات التطبيع مع النظام السوري، والعمل على إعادة تأهيله عربيًا وإقليميًا، أهمها أن أبوظبي تسعى إلى طي صفحة الربيع العربي، ولا شك في أن من شأن إعادة تعويم حتى أكثر النظم العربية إجرامًا ووحشية أن يغلق الدائرة ويطوي معها هذه الصفحة من تاريخ الشعوب العربية من منظور هذه الاستراتيجية. وتضع هذه الاستراتيجية الإمارات في موقع أقرب إلى الموقفين الروسي والصيني (وكذلك الإسرائيلي الأقرب إلى روسيا والإمارات في الموقف من الانتقال الديمقراطي عربيًا) منها إلى الموقف الأميركي، والغربي عمومًا. وفي وقت تروّج أبوظبي أن هدفها من إعادة العلاقات مع النظام السوري هو تعزيز الحضور العربي في سورية في مواجهة نفوذ إيران، يبدو عسيرًا على الفهم إمكانية تحقق ذلك من خلال دعم الأسد، حليف إيران. فتاريخيًا لم يؤدّ دعم دول الخليج نظام الأسد من السبعينيات حتى عام 2005 إلى إبعاد سورية عن إيران، بل وازاه تعزيز مثابر للتحالف بين دمشق وطهران. وتنظر أبوظبي باهتمام أيضًا إلى أي فرصٍ اقتصاديةٍ تتصل بإعادة الإعمار في سورية أو بخريطة الطاقة وخطوط نقلها في المنطقة. 

الإمارات أول دولة عربية تعيد فتح سفارتها في دمشق، في كانون الأول/ ديسمبر 2018

ويبدو أن الإمارات تستغل ضعف الموقف الأميركي في موضوع التطبيع مع النظام السوري، للاندفاع أكثر في هذا الاتجاه؛ إذ يأتي الانفتاح المتزايد لأبوظبي على النظام في دمشق بعد موافقة واشنطن على تزويد لبنان بالغاز والكهرباء من مصر (وإسرائيل) والأردن عبر الأراضي السورية، ومن خلال دعم تمويل البنك الدولي الاتفاق الرباعي المصري – الأردني – السوري - اللبناني بهذا الشأن، بما في ذلك إصلاح خطوط نقل الغاز والكهرباء في الأراضي السورية. يضاف إلى ذلك أن واشنطن لا تبدي موقفًا حازمًا في معارضة خطوات التطبيع التي تتخذها دول عربية مع النظام السوري؛ إذ اقتصرت المواقف الأميركية خلال الفترة الأخيرة على توضيح أن الولايات المتحدة "لا تدعم جهود التطبيع مع نظام الأسد". كما كان موقف وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، باهتًا بهذا الخصوص؛ إذ قال خلال مؤتمر صحافي بعد لقائه نظيرَيه الإسرائيلي والإماراتي، في تشرين الأول/ أكتوبر 2021: "ما لم نفعله ولا ننوي فعله هو التعبير عن أي دعم للجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات" مع نظام الأسد.

توجه عربي إلى التطبيع مع النظام

يُعدّ التوجه الإماراتي إلى التطبيع مع النظام السوري جزءًا من توجّه إلى إعادة النظام السوري إلى المنظومة الرسمية العربية، تقوده إلى جانب الإمارات كل من الأردن والجزائر، التي تفعل ذلك لأسبابٍ مختلفة؛ إذ لا تتفق الجزائر مع الإمارات في مسألة التطبيع مع إسرائيل. وقد جاءت ردود فعل البلدين تجاه الخطوة الإماراتية منسجمةً مع هذا التوجه، فقد بارك وزير خارجية الجزائر، رمطان لعمامرة، زيارة وزير الخارجية الإماراتي دمشق، مؤكّدًا أنه "يأمل في أن تسهم في تذليل العقبات بين سورية ودول عربية أخرى"، وجدّد دعوة بلاده إلى عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية. أما وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، فقد برّر التقارب العربي مع نظام الأسد بأنه يأتي نتيجة غياب أي "استراتيجية فعالة لحل الصراع السوري". وفي حين تبدي مصر والمملكة العربية السعودية بعض التحفظات على هذا التوجّه، على الرغم من حصول لقاءات سياسية وأمنية بين مسؤولين في النظام السوري وكل من رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، عباس كامل، ووزير الخارجية المصري، سامح شكري، ومع رئيس المخابرات السعودية، خالد الحميدان، كذلك، فإنه باستثناء قطر، لا توجد معارضة فعلية عربية للتطبيع مع النظام السوري. ومن المعلوم أن كل أسباب عزل النظام السوري عربيًا لا تزال قائمة، وكل شروط عودته إلى جامعة الدول العربية غير محقّقة، بما فيها استمرار النظام في سياساته القمعية ورفض أي مقاربةٍ سياسية للحل. وكانت الجامعة قد اتخذت، في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، قرارًا بتعليق عضوية النظام السوري فيها، وطالبت بسحب السفراء العرب من دمشق مع إبقاء الطلب "قرارًا سياديًا لكل دولة". وصدر هذا القرار بموافقة 18 دولة، واعتراض ثلاث دول، سورية ولبنان واليمن، وامتناع العراق عن التصويت.

خاتمة

على الرغم من وجود توجّه عربي إلى التطبيع مع النظام السوري وإعادة تأهيله، فإن الإمارات تُعدّ حتى الآن الأكثر حماسةً في هذا الاتجاه، مع أنها الأقلّ تضرّرًا بالأزمة السورية. والحقيقة أن بعض الدول العربية قاطعت نظام الأسد، ليس لما يقترفه من جرائم ضد شعبه، بل لعلاقاته مع إيران، مستغلةً ارتكابه هذه الجرائم، إلا أنها عادت وأبدت استعدادًا للتطبيع معه، على الرغم من استمرار تحالفه من طهران وتعزيزه. وفي حين تتمحور أسباب الأردن، مثلًا، في التطبيع مع النظام السوري، حول مصالحه الاقتصادية والأمنية ومحاولته إيجاد حلّ لوجود نحو مليون لاجئ سوري على أراضيه، فإن دوافع أبوظبي تكاد تكون مرتبطة كليًا بموقف "أيديولوجي"، تعبّر عنه بمناهضة أي تغيير ديمقراطي، وتمسك باستقرار الأنظمة السلطوية في الجمهوريات العربية، في مقابل تحالفٍ يتطور بسرعة مع إسرائيل، بما في ذلك عسكريًا وأمنيًا، كما دلت عليه المناورات المشتركة التي جرت، أخيرا، في البحر الأحمر.