"التجمّع" وغيره .. أين الحقيقة؟
أول القول إن أهل مكّة أدرى بشعابها، بشأن الخلاف الحادّ الذي أجهز على تحالفٍ انتخابيٍ كان قيد التوافق بين حزب التجمّع الوطني الديمقراطي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحركة العربية للتغيير، من أجل تشكيل قائمةٍ مشتركةٍ لخوض انتخابات الكنيست في أول نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. غير أن في وسع الناظر من بعيد إلى ما جرى، سيما وأنه جرى في الساعة الأخيرة قبل الموعد النهائي لتقديم قوائم المرشّحين، أن يفيد من مطالعات الصحافة العبرية في شأن هذا الذي وقع، ودَفَع "التجمّع" إلى تقديم قائمةٍ منفردا، وجعل شريكيْه في تحالف انتخابات 2020 في قائمة تخصّهما، بعد انفراط العقد الثلاثي يوم 15 سبتمبر/ أيلول الحالي، والأهم بعد تحلّل "الجبهة" من اتفاقٍ سياسيٍّ موثّقٍ مع "التجمّع"، موقّع في 9 سبتمبر، وبعد يومين من توقيع اتفاقٍ ثلاثيٍّ على ترتيب قائمة لـ11 مقعدا تفاهمت الأطراف الثلاثة عليها. والمؤكّد أن الحقّ ليس على الطليان في خروج أحد أضلاع ما كانت تسمّى القائمة المشتركة وحيدا، والمؤكّد أكثر أن يبحث عن تفسيرٍ آخر من لا يقنُعُه تفسير المفاوض الرئيسي عن "التجمّع"، سامي أبو شحادة (ورفاقه وزملائه)، ما جرى، أنه ميلُ الشريكين السابقين نحو الدخول في حكومةٍ يشكّلها يئير لبيد، أو أقلّه التوصية به في الكنيست رئيسا للحكومة. وللحقّ، إن استفظاع من استفظعوا هذا الاتهام في محلّه، سيما وأنه يتجاوز ما يذيعه "التجمّع" عن غدرٍ تعرّض له إلى "خيانةٍ" وطنيةٍ آثَرَها طرفا التحالف الانتخابي الثنائي المستجدّ على الالتقاء مع شريكهما السابق الذي أمكنه الوصول إلى تفاهمٍ سياسيٍّ معلن مع "الجبهة".
التباعد في سويعاتٍ أخيرة، وأنهى قائمةً مشتركةً كانت قيد الإنجاز، مؤسفٌ جدا، ولا يعطي صورة طيبة عن واقع الحركة الوطنية لدى فلسطينيي 1948. وهنا، ليس إمساكا للعصا من الوسط أن نطالع ما جاءت عليه الصحافة الإسرائيلية في خصوص هذه الواقعة. أولُ الملحوظ شماتةُ هذه الصحافة بالأحزاب العربية هناك، وتهكّمها على انعدام قدرتها على التآلف من أجل مصالح ناخبيها. وثانيا أن أصحاب التعاليق يمايزون بين متطرّفين ومعتدلين بين هذه الأحزاب، فهذا واحد منهم في "يديعوت أحرونوت" (هل من داعٍ لاسمه؟) يكتب إن من الواضح أنه لا يوجد معسكر مشترك بين "النزعة البراغماتية" لأحمد الطيبي (الحركة العربية للتغيير) و"الأيديولوجيا العربية – اليهودية" للجبهة الديمقراطية و"الخط القومي المتطرّف" للتجمّع الديمقراطي. ويجمع صاحب هذا التصنيف بين الطيبي ورئيس القائمة الموحّدة منصور عبّاس، الذي ناصرت كتلتُه في الكنيست الائتلاف الحكومي. معلقٌ آخر في الصحيفة نفسها (لمن أراد معرفته، اسمُه نداف إيال) يكتب إن محافل في "التجمّع" لا يزالون مخلصين لعزمي بشارة، ويريدون مقاطعة الانتخابات، ويضيف إن نتنياهو لم يكن أقرب من النصر مما هو الآن، وذلك بفضل سامي أبو شحادة ورفاقه (بالطبع كما يؤكّد). أما أسرة التحرير (بالضبط) لصحيفة هآرتس، فتكتب أنه يجدُر برئيس الوزراء لبيد، وباقي رفاقه، مدّ اليد لرئيسي القائمة المشتركة، أيمن عودة والطيبي، "عليهم أن يفتحوا الباب لهما كما فعلوا مع عبّاس منصور". وهذه "إسرائيل اليوم" تصف، في افتتاحية لها، الخط السياسي لحزب التجمّع بأنه "صَقري"، وعلى ذمتها، فإن قرارَه عدم الانضمام إلى القائمة المشتركة (هل هذا قرارُه؟) يعود إلى رغبةٍ في التشويش على قرار رئيسي الجبهة الديمقراطية أيمن عودة و"العربية للتغيير" أحمد الطيبي، إجراء مفاوضاتٍ مع لبيد للتوصية به مرشّحا لرئاسة الوزراء، "لدعمه من الخارج من دون الانضمام إلى الائتلاف، مثل ما فعلت القائمة الموحدة في جولة الانتخابات السابقة".
ليست نكتة غوار الطوشة "أن نفتح الراديو على لندن لنعرف ما عندنا" ما يأخذنا إلى الصحافة الإسرائيلية لتُسعفنا في تفسير ما جرى بين "التجمّع" وحركة الطيبي والجبهة، ولا تذكُّرُ قول أيمن عودة في مقابلة مع "يديعوت أحرونوت" (22/8/2019) عن رغبته في دخول حكومةٍ إسرائيليةٍ يشكّلها بني غانتس، إنما هو صعوبة العثور على روايةٍ متماسكةٍ قوية، ومقنعةٍ ولو بحدٍّ أدنى، لدى الشريكين السابقين لحزب التجمّع في انتخابات 2020، وجعلتهُما يضعانِه في الزاوية .. وأيا كان الحال، لننتظر ونرى ماذا بعد هذا كله؟