التابع والمتبوع في حصار قطر
من يقود الآخر في مؤامرة الحصار المفروض على قطر للشهر الثاني على التوالي؟
هل حقاً عبد الفتاح السيسي تابع للسعودية والإمارات في الأزمة، دائراً في فلكهما، محارباً بسيفهما باعتباره آكل خبزهما؟
أم أن العكس هو الصحيح، والسيسي هو مبتدأ الحكاية وخبرها، سواء كان هو المتبوع وهما التابع، أو أنه معهما ليسوا سوى انعكاساتٍ لإرادة خارجية تستهدف قطر؟
طرحت السؤال على مجموعة من الأصدقاء، فذهبت غالبيتهم إلى أن السيسي ودول الحصار ينفذون ما يريده آخرون، وبالطبع تحضر"صفقة القرن" والمخططات الخاصة بالشرق الأوسط، بما يعبّر عن قناعة لدى كثيرين بأننا لسنا بصدد أزمة محصورة في نطاق العلاقات الخليجية الخليجية، وإنما تتمدّد في إطار عربي وإقليمي وعالمي، يرتبط على نحو وثيق بأنساق التحالفات والعلاقات الدولية في فترة ما بعد وصول دونالد ترامب، وما استتبعها من ترتيباتٍ في عروش الحكم العربية، والتسابق المحموم من أنظمةٍ خليجيةٍ للالتحاق بالمقاعد الأمامية في مقصورة الرئيس الأميركي الجديد.
يلفت النظر أن التحرك ضد قطر بدأ عقب زيارة ترامب والعائلة إلى الأسرة المالكة السعودية، ووميض لقطات صور منبعثة من الماضي، بقديمه، حيث تأسيس الدول والممالك في القرن العشرين، وحديثه، حيث مرحلة جورج بوش، أباً وابناً، وتوزيع الأدوار والمهام، عقب إخراج العراق التقليدي من التاريخ.
ولا يجب أن ننسى أن عملية إلحاق الأذى بقطر، من خلال فرض الحصار الشامل على سكانها، بنيت على كذبة، أو بالأحرى جريمة قرصنة، تلتها جريمة فعل دبلوماسي فاضح في الطريق العام، تأسّست على توجيه حزمة اتهاماتٍ، جرى تزويرها، بمعرفة دول الحصار للحكومة القطرية، سرعان ما انفضحت وتساقطت، إلى الحد الذي دفع المحاصرين إلى محاولة تأليف وتلفيق اتهامات أخرى، عن طريق نبش قبور الأرشيف، أو اختراع تهم وحجج حديثة مضحكة.
يعتمد المحاصرون في ذلك منهجاً ينتمي كليا إلى قيم انقلاب عبد الفتاح السيسي وأفكاره في مصر، بطريقة الهروب من جريمةٍ بارتكاب جريمةٍ أخرى، تخطف الأنظار من الأقدم. وبهذه الطريقة، أشعل محور الحصار حقول الكلام والثرثرة عن مسائل جديدة، مختلقة، للتغطية على جريمة العدوان الإلكتروني على موقع وكالة الأنباء القطرية، وبث أخبار مزيفة من خلاله، لتلفيق اتهامات للقطريين من خلالها.
وأزعم أن أي مقاربةٍ للأزمة الخليجية تقفز على هذه النقطة المحورية، أو أصل الموضوع كله، هي بمثابة إنقاذٍ لتكتل الحصار المتورّط بالكذب والاختلاق، وإعفاء له من الحساب على جريمةٍ أثبتتها تحقيقات مهنية محايدة، أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالية في موضوع الاختلاق والقرصنة.
ويبقى الملمح الأبرز في الحجج المتهاوية لدول الحصار أنها تلفّ وتدور حول قضية واحدة جوهرية، هي الدور القطري المساند لمشروع التغيير الديمقراطي العربي، ورفض المشاركة في الحرب على ربيع الثورات، تلك الحرب التي تخوضها كل من تل أبيب والرياض وأبو ظبي، بلا هوادة، منذ ظهور بشاير التغيير في مصر، بما يعنيه ذلك من تعرّض مصالح هذه الدول للخطر.
ولعلك تذكر أن سفارتين فقط في القاهرة حاصرهما الثوار في مصر: السفارة الصهيونية انتصاراً للكرامة الوطنية والعربية، والسفارة السعودية دفاعاً عن الكرامة الإنسانية، بعد اعتقال المحامي و الحقوقي المصري، أحمد الجيزاوي، في أثناء دخوله السعودية والتنكيل به. ولذلك، لا تجد أكثر من تل أبيب والرياض اندفاعاً في سحق الثورات العربية.
لا عجب، إذن، أن تكون"حماس" و"الإخوان" هما المفردتان الأكثر تردّدا في خطاب معسكر الحصار، بما يبدو معه أنهم يخاطبون طرفاً بعينه، يهمهم استرضاءه والاحتفاظ به داعما ومؤيدا لحربهم ضد "العدو القطري" المتمرّد على أجندة التبعية والكراهية للثورات.
هنا، يمكن اعتبار أن الكلمة المفتاح في دراما حصار قطر هي عبد الفتاح السيسي، بوصفه الابن المدلل للتصور الإسرائيلي للمنطقة، وهو المشروع الذي تتنافس كل من الرياض وأبو ظبي على الالتحاق به، وإثبات جدارتهما بدورٍ رائد فيه، وهذا ما فهمه السيسي مبكراً، وأدرك أنه مادامت إسرائيل معه، فالكل بالضرورة معه، حتى وإن تأزّمت المواقف أحياناً.
هل كانت مصادفةً أن تستأنف "أرامكو" ضخ الوقود إلى السيسي، بعد أن لوّح إعلامه بأن القاهرة ستحصل على حاجتها من الوقود من إسرائيل، إذا حاولت السعودية أن تلوي ذراع مصر السيسية، بعد تصويت الأخير لمصلحة القرار الروسي بشأن سورية، بالمخالفة للرغبة السعودية؟
باختصار شديد: مركز الزلزال في إسرائيل والتوابع في عواصم الحصار.