الانتخابات الإسرائيلية وعقدة نتنياهو
أصبحت السياسة الإسرائيلية تدور في حلقة مفرغة، فمنذ أربع سنوات لا يكاد من يدلي بصوته في انتخابات إسرائيل ينتهي حتى تُطلب منه العودة إلى صندوق الاقتراع، فالحكومة قد حُلت أو استعصى تشكيلها، ويجب استدعاء المصوتين مجدّدا. كان العداء لنتنياهو عنوانا بارزا لقصة الانتخابات السابقة، فقد كانت معظم الأحزاب في اليمين واليسار، عدا حزب الليكود، تخوض الانتخابات تحت شعار موحد، لا لنتياهو، وقد استطاعت جهود آخر انتخابات أن تزيحه بالفعل، وكان الاعتقاد بأنه حال خروجه من مكتب رئيس الوزراء سيتلقّفه ممثلو الادّعاء والمحاكم لرميه بالسجن نتيجة تجاوزاته وفساده، ولكن نتنياهو ظل بعيدا عن مغادرة الساحة السياسية، بل خبت الضجّة التي كانت تثار حول ماضيه الملوّث إلى درجةٍ لم يعد أحد يذكرها. وعشية حلّ الحكومة وإعادة الناخب الإسرائيلي إلى صندوق الانتخابات، صعد اسم نتنياهو إلى الواجهة ليس مرشّحا للوقوف أمام القضاة، ولكن سياسيا محتملا لشغل منصب رئيس الوزراء من جديد! وهو حامل الرقم القياسي في مدة عمله في المنصب، وقد يكون قادرا على كسر رقمه القياسي السابق، لو نجح هذه المرّة أيضا.
كان الخليط الذي أنتج حكومة نفتالي بينت متباينا إلى حد كبير، فقد حوت كل مكونات الطيف السياسي، من يمين متطرّف ويمين ووسط ويسار وعرب أيضا، وربما كانت تلك هي المرّة الأولى التي تجتمع فيها كل تلك القوى السياسية المتباينة في حكومة واحدة، وهي المرّة الأولى في التاريخ يدعم حزب عربي حكومة إسرائيلية، ويعرف الجميع أن الهدف ليس فقط إسقاط نتنياهو، بل التخلص منه إلى الأبد، فقد كانت المحاكم تتربّص به فور خروجه من كرسي رئاسة الوزراء. تحقّق الهدف الأول، وخرج نتنياهو، ولكن الخلطة السحرية التي أدّت إلى خروجه لم يُكتب لها البقاء، فتقلصت الأكثرية الضئيلة التي امتلكتها الحكومة، وكان المنسحبون جميعا من حزب نفتالي بينت الذي ترأس الوزارة، فلم يجدوا أنفسهم سعداء بالشراكة مع ممثلي اليسار، ولم تعد الحكومة الآن قادرة على تأمين واحد وستين مقعداً اللازمة لاستمرارها، فصوّتت على حل نفسها، لتعود دورة السياسة الإسرائيلية إلى المربع الأول، ويعود السؤال الذي عرّش أربع سنوات: نتنياهو نعم أم لا؟
لم تفرز السياسة الإسرائيلية منافسا جدّيا لنتنياهو، بل أفرزت خصوما له، وما زالت نتائج استطلاعات الرأي تعطي لحزب الليكود المرتبة الأولى بعدد المقاعد في أي انتخاباتٍ جديدة، وقد تضطرّ الأحزاب السياسية الإسرائيلية للتعاون معه من جديد، إلا إذا استطاعت أن تتكتل خلف شخصيةٍ مؤثرةٍ يمكن لها أن تحلّ محلّ نتنياهو، وهناك فرصة لزعيم حزب هناك مستقبل، يائير ليبيد، فهو صاحب ثاني أكبر كتلة بعد الليكود، ولونه السياسي متغيّر، بحيث يحتل مساحةً ما بين يسار ويمين الوسط، لكن بقدر ما قد تكون هذه ميزةً تجمع حوله كل الأصوات التي لا تريد نتنياهو، فقد تكون نقمةً عليه، فيُنكره أصحاب اليمين وأهل اليسار، ويُجبر الجميع على نتنياهو مرة أخرى.
الدرجات التي سيحصل عليها ليبيد تتوقف على أدائه خلال الأشهر الفاصلة عن موعد الانتخابات، حيث سيؤدّي دور رئيس الوزراء بحسب الاتفاق المبرم مع بينت. وعلى الرغم من أنه رئيس وزراء لتسيير الأمور، لكن يمكنه تقديم نفسه بصورة جيدة، وقد يستفيد من تأجيل زيارة الرئيس الأميركي، فهو الذي سيستقبل ويدير الحديث معه وسيرافقه طوال مدّة الزيارة، ومن الممكن أن يعطيه ذلك نقاط تفوّق، ولكن الجمهور الإسرائيلي متيم بسحر اليمين الذي كان مسيطرا على ساحة السياسة الإسرائيلية منذ نجاح مناحيم بيغن في انتخابات 1977، وهذا السحر نفسه قد يقود نتنياهو إلى كرسي رئاسة الوزراء مرة جديدة، رغم كل ما يحيط به من شوائب قانونية.