الإنسان... ذلك المسكين فوق ظهر الأرض
تبجّح الساسة بقوة مساكنهم وحججهم ومدافعهم وصواريخهم ومواقفهم التي لا تلين أبدا، وغرورهم، من داخل طائراتهم التي لم تُسدّد ديونها المتراكمة، أو من داخل قواعدهم الحربية، وأقفال أحزابهم العامرة بقلةٍ معروفةٍ من المنتفعين، سواء بطرابيشهم أو بناطيلهم، وخارج بوابات أحزابهم ترى المصفحات والطبنجات، والموانئ هناك مكدّسة بالقمح ومحطّات الدفاع الجوي، حيث لا عصافير ولا يمام، إلا في الأفلام الوثائقية فقط بجوار مسوّدات مشاريعهم الإقليمية التي لم تنفذ أبدا إلا ضد ضعفاء شعوبهم، ذلك كله أمام انهيار سدودهم التي يكلف الواحد منها كصيانة مقدار ثمن نصف دبابة أو صاروخ أو جناح طائرة رافال أو مقاتلة يتم تخزينها فوق الرمال، وتتدارى حياءً من الشمس والحسد، لأن هناك ذلك المواطن الذي ليس له من سعر في أجنداتهم، طالما النفط يخرُج من جحوره والدبابات تُشترى والأسلحة مكدّسة في المخازن وصناديق الذخيرة عامرة.
ذلك الإنسان الذي تراه وقد انهار بالآلاف موتا أو فقدا أو غرقا أو تحت الركام المنهار والمنازل القديمة المتداعية من سنوات لا يُعرف عددها، هل لأن الخطّة الخمسية لم تلحقه هو، وقد تصيب أحفاده أو أحفاد أحفاده في القريب العاجل، حفاظا بالطبع على أمنه القومي، أو أمنه الداخلي الذى هو أغلى من كل ذهب الأرض وبنوك العالم، ذلك الإنسان المسكين الذي يُرى منهارا وباكيا أمام السيول في درنة أو غير درنة أو زلزال الحوز في المغرب، سواء كان ذلك الإنسان جنرالا يُشار له بالبنان يوما من فوق دبابته، أو وهو يدرس بلندن أو روما، وكبر في قصره المنيف بعدما اشترى طقم أسنانه من سويسرا وصبغة شعره السوداء كي يتخطّى آثار سنواته الماضيات، فجرفت السيول معها كل صوره ونياشينه إلى عمق البحر، فهل ذلك كله يقنع البقية أمام بوابة الحزب بكراتينهم بأنهم أعدّوا الخطة الإعلامية جيدا للاستمرار في الحكم حتى آخر ساعة سويسرية أو آخر طقم أسنان محترم من قلب روما، ودحر الخصوم والاستعانة ولو حتي بهيفاء وموتوسيكلات سناء وسوسن وعباءات حمدية وكوافيراتها في إمبابة أو أم درمان لدخول الانتخابات التمهيدية والفوز بها عن بكرة أمها وخالها وعمّها بشفافيةٍ يحسدهم عليها طاقم المراسلين الأجانب الذي عمّر في مكانه نصف قرن، ويأكل أيضا ساندوتشات الفول والطعمية مثل جموع الناس.
ولا مانع أيضا من حضور اللاعب ميسّي كي يرى التجربة من فوق حشيش الملاعب أو من فوق قمة الهرم الأكبر، حتى وإن جاءت معه شبيهة الممثلة إليزابيث تايلور أو حفيدتها إن كان لها حفيدات، كي يتمتّع الوفد الزائر برقصة سرب الطائرات الرافال، قبل أن تدخل في إنتاج المسلسل الضخم الذي يعد لرمضان المقبل، وقد اشتركت في كتابة السيناريو له لجنة حيادية من الخبراء وحقوق الإنسان، ومعهم جبرائيل نفسه بموسوعاته البريطانية جدا، كي يصير الخصم ذليلا ويعرف قيمة نفسه في الشارع، وكي لا يجري ثانية بسيّارته أمام السيول في المدن الجديدة ويكتفي برفع العلم، فسوف تخجل السيول وترتدّ إلى منابعها الأولى بقدرة الله وفضله، لأنه معنا ويعرفنا حقّ المعرفة، وغير ذلك من كيد، فسوف يرتد إلى نحورهم، ولن يرهبنا أي سد آخر، ولو كان في حجم سد النهضة نفسه.
قلناها وقالتها الطبيعة نفسها في درنة، وليس بيدنا ولا حتى بيد عمرو، ولكن بيد الطبيعة، والطبيعة معنا وفي صالحنا والسنوات معنا والحقّ معنا والله معنا والمفاوضات عمرُها طويل جدا، وعلى المواطن الصبر والثقة التامة في قيادته وفي الكوارث أيضا. أما كل المزايدات فقد سمعناها مرارا منذ انطلاق المسيرة، ونحن نعمر ولا نخرب، علاوة على أن وزير الخارجية قبل انهيار السدود بيوم، وتلك لمحة عبقرية لن نكشف أسرارها الآن، قد طمأن الناس على ثبات حصّة مصر من مياه النيل، فهل هناك لغة غامضة ما بين السدود اكتشفتها خارجيتنا؟
نحن على كل حال نهتم بالإنسان في أزماته الداخلية وحقائب التلاميذ والزمزميات وصحة المواطن، ولكل حدث حديث، كما أن العرّافة موجودة هناك في المحطة الفضائية، واسألوها أو في الفندق الفلاني ومعها الودع، والطائرات على أهبة الاستعداد لرمي كوبونات الغسّالات والثلاجات والكراتين، ليس لأننا أمام استحقاق انتخابي، لا قدّر الله، ولكن لأن تلك الشفافية نعرضها للعالم وأمام عيون العالم ابتداء من المساعدات لأهالينا في درنة، مرورا بمفاوضات سدّ النهضة، حتى وقوف اللاعب ميسّي أمام هامة الهرم الأكبر.