الإمارات في القدس ..
مساء السبت الأردني المثير، 3 إبريل/ نيسان الحالي، انفرد موقع عمّون بنشر ما "سُرّب" إليه، أن اعتقال الرئيس الأسبق للديوان الملكي الأردني، باسم عوض الله، "جاء على خلفية علاقاتٍ مشبوهة، واستغلال مجلس القدس للتطوير والتنمية لشراء أراض لصالح اليهود" (اليهود وليس الإسرائيليين!). ومع حذرٍ شديد في التسليم التام بصحّة الاتهام، لا بأس من التعامل معه بشيءٍ من الجدّية، بالنظر إلى "أهمية" ناشر الخبر بين وسائط الإعلام الأردنية. وهو خبرٌ يأخذك إلى انشغالٍ آخر، يخص مجلس القدس هذا، والذي يرأسه الحمائمي العتيد في مسألة التسوية مع إسرائيل، الناشط والأستاذ الجامعي، سري نسيبة، المرشّح في قائمة محمد دحلان في الانتخابات التشريعية الفلسطينية المتوقعة الشهر المقبل. أفيد في وسائط إعلامية إماراتية، لمّا حصل هذا المجلس على منحةٍ من صندوق أبوظبي للتنمية، بأنه "يقدّم مشاريع لدعم أهالي القدس على الصعد التعليمية والصحية والاجتماعية"، غير أن مؤسسة القدس الدولية، وهي غير ربحية ومعنيةٌ بالمعرفة، أوردت، في بيانٍ لها، إن المنحة 12 مليون دولار، و"أُنفِقت على مدى السنتين الماضيتين لتضمن تبعية المؤسسات الأهلية المقدسية للمموّل الإماراتي". وقالت إن هذا المال لم يكن خيريا ولا مجّانيا. وبحسبها إن "محاولة استخدام الملاءة المالية لتقديم خدماتٍ للاحتلال في القدس ليست نهجًا جديدًا على القيادة الإماراتية الحالية، فقد ثبتت تلك المحاولات في أكبر صفقات تسريب العقارات المقدسية في سلوان، وفي صفقة تسريب عقار جودة الحسيني في عقبة درويش، وفي مبادراتٍ استثماريةٍ في مشروعاتٍ فندقيةٍ في حي الشيخ جرّاح الذي تسعى سلطات الاحتلال بكل السبل إلى تهجير سكّانه في هذه الأيام".
وإذ تعلّمنا في ألف باء الصحافة أنك مطالبٌ بالتثبت من الأخبار ذات الطبيعة الاتهامية، من مصدريْن على الأقل، وأن تبحث عن ردّ المتهم وأقواله في الذي يُنسَب ضده، فإننا هنا نقع في حيص بيص، فالمصادر عن أنشطة إماراتية في شراء أراضٍ وعقاراتٍ في القدس وبيعها للإسرائيليين (المستوطنين وغيرهم) وفيرة، لكن أبوظبي وحواشيها، والإعلام الرسمي فيها، وصنوه الملتحق بها في غير بلد، لا يكترث لهذه الأنباء نفيا أو تعقيبا أو توضيحا. ربما ازدراء للذين يتناقلونها ويتحدّثون عنها، أو أخذا بأن الصمت أصدقُ أنباءً من الكذب. ولكن واجبنا، نحن العاملين في الإعلام المضاد لمشروع التحالف النشط، الشديد الخطورة، بين أبوظبي ودولة الاحتلال، يحسُن بنا التحرّي، وتنوير الجمهور العام بالذي تفعله الإمارات في القدس، إذا صحّ كثيرٌ مما نقرأ عنه أو قليل، فمعركة القدس الماثلة أمام الأعين، ويخوضها أهل المدينة ببسالةٍ مشهودة، لا نتابعها كما لو أنها مباراةٌ ودّيةٌ في الركبي في دبي بين منتخبي إسرائيل والإمارات، تُهزم فيها الأخيرة بـ33 هدفا مقابل لا شيء. لا، إنها معركة مصير ووجود وهوية، ولا إنشاء أو تزيّد في هذا القول، وإنما هو بديهي، من بؤس الحال العربي أنك تجد نفسك مضطّرا للتذكير به.
يسوّغ ما جاء أعلاه أن المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان (يتبع منظمة التحرير الفلسطينية) كشف في تقرير له، أخيرا، أن "شركاتٍ وهميةً" تتخذ من بعض البلدان، منها عربية، وربما الإمارات والبحرين، مقارّ لها للعمل على تسريب أراضٍ وعقاراتٍ فلسطينية بشرائها من ملّاكها وبيعها لمستوطنين. ويتّسق هذا مع ما ذكره المختص في شؤون القدس، مازن الجعبري، أن إماراتيين حاولوا شراء محالّ تجارية في البلدة القديمة في القدس، وأفشلت تدبيرَهم لجانٌ نشطة، بتحذير أصحاب المحالّ من خطوةٍ كهذه. ويدأب نائب رئيس الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة في 1948، كمال الخطيب، على التنبيه لتحرّكات إماراتيين في القدس، لشراء عقاراتٍ قريبةٍ جدا من الأقصى، ثم يبيعونها إلى مستثمرين أجانب ويهود. وإلى هذا كله، تردّد أن مجلس التعاون الاقتصادي الإماراتي الإسرائيلي يعمل على وقف الأنشطة التركية في القدس، ويقيم مشاريع بأسماء أشخاص (ليس بواجهاتٍ حكوميةٍ) في المدينة، من دون أي تنسيقٍ مع السلطة الفلسطينية، ولا مع الأوقاف الأردنية، بل بالتنسيق مع بلدية الاحتلال في القدس.
إنما القول هنا أن نمارس سوء الظن، وهو من حسن الفطن، وأن نرتاب، وأن نتقصّى وأن نتحقق، فالمخفي أعظم ربما، لكن ما يتواتر نشرٌه عما يتردد أن الإمارات ترتكبه في القدس خطير. أما قصة باسم عوض الله عندما يحصحص الحق بشأنها لكل مقام مقال.