الإسرائيليون وجبهة لبنان
اليوم السبت، يكون قد مرّ 70 يوماً على المواجهات بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة. طوال الفترة الماضية، ظلّت تلك الجبهة ممسوكة إلى حدٍّ ما، رغم الرغبات الإسرائيلية في توسيع نطاق العدوان على غزّة، وشموله الجنوب اللبناني، أي كل لبنان. اعتداءات الاحتلال السابقة في تاريخ هذا البلد تروي ذلك، غير أن التشابكات الحالية لا يُمكنها منح إسرائيل هامشاً من الحرية لتنفيذ حرب شاملة، قبل التفكير حتى بفرضية الغزو. يكفي أن معركة الشجاعية في قطاع غزّة تبرهن أن الإسرائيلي غير قادرٍ على شنّ هجوم صاعق، يكون شبيهاً باحتلاله أراضٍ عربية في 1967 ولا في لبنان في 1982.
في الماضي، كانت حجج الاعتداءات عديدة، منها "إبعاد المخرّبين"، وهو اللقب الذي تطلقه إسرائيل على الفدائيين الفلسطينيين، ومنها محاولة اغتيال سفيرها في لندن شلومو أرغوف، في عام 1982، ومنها أسر حزب الله جنديين إسرائيليين في 2006. تلك كلها، وغيرها من مبرّرات، اتخذها الإسرائيليون ذرائع لشنّ هجماتهم على لبنان، لكن مثل هذه الأسباب لا تلغي، مع أنه لا يُمكن وصفها بـ"المحقّة"، النية العدوانية الإسرائيلية. في أيامنا الحالية، تحاول إسرائيل إظهار عشقها قرار مجلس الأمن 1701، والمطالبة بتطبيقه، خصوصاً أنه القرار الأشهر في حروبها على لبنان، ووضع حداً لحرب صيف 2006.
تجاهل الإسرائيلي نفسه، بما يتعلق بالداخل اللبناني، تنفيذ القرار 425 مدة 22 عاماً، منذ صدوره في عام 1978 وحتى الانسحاب من جنوب لبنان في عام 2000. لكن حتى هذا القرار ظلّ مجتزءاً، بحكم أن الاحتلال يسيطر على قرى وبلدات لبنانية، تُختصر بـ13 نقطة برية. ومع أن الاحتلال يهدّد باستخدام القوة، وفق أدبياته في مرحلة ما بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لإبعاد حزب الله عن الحدود اللبنانية إلى شمال نهر الليطاني، غير أن السؤال لا يكمن هنا في القدرة الإسرائيلية، بل في التردد في شنّ مثل هذه الحرب.
لهذا التردّد حيال لبنان أسباب شتى، ومنها أن حزب الله غير محاصر، كما حركة حماس في غزة، وأن طبيعة لبنان الجبلية أصعب من طبيعة قطاع غزّة. صحيح أن الإسرائيلي قادر على شنّ حرب إبادة، لكنه سيتكلّف ثمناً هائلاً بالموازين العسكرية. هنا يأتي دور الأميركيين. للولايات المتحدة ألف سبب لمنع الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، عكس ما يحصل في غزة. أهم سبب في السياق، هو أن وجودها في لبنان لن يبقى مستقرّاً، وستصبح البلاد نموذجاً متماثلاً للعراق وسورية، وهو ما يشكّل ضغطاً إضافياً على الإدارة الأميركية في العام الرئاسي. وللولايات المتحدة حسابات أبعد من تلك الإسرائيلية، بما يتعلق بلبنان. لعله البلد الوحيد في المشرق العربي، الذي تتحرك فيه واشنطن ومسؤوليها بأريحية تامّة. لا يعود السبب إلى أن كل الشعب اللبناني محبّ للإدارات الأميركية، بل لأن الطبيعة السياسية للبنان تضع جميع أطرافه على تماس مع الولايات المتحدة، سواء كان ذلك التماس بعيداً أو قريباً.
كذلك، فإن تحوّل السفارة الأميركية في عوكر، شمالي العاصمة بيروت، إلى إحدى أكبر السفارات الأميركية في العالم، يؤكد نية واشنطن تركيز النفوذ في شرق البحر المتوسط. طبعاً، لا يعود ذلك لأجل عيون اللبنانيين، بل لأن الترابط الجيوبوليتيكي للأميركيين في هذه النقطة في الشرق الأوسط، يدفعها إلى ممارسة نفوذها لمنع حصول ما يمكن أن يبدّل كل ذلك.
الآن، هل يمكن تعديل القرار 1701 أو تطبيقه وفق قراءة مختلفة؟ لا يريد الأميركيون ذلك، بل أوضحوا عبر بيان لسفارتهم أن القرار لا يحتاج لتعديل، وأغلب الظن أنهم قد يرغبون في العودة إلى تاريخ ما قبل وقوع الاشتباكات الأخيرة، وفقاً للقواعد المعمول بها منذ عام 2006. أما المستوطنون في الشمال الفلسطيني المحتل، فإن مصيرهم سيبقى عالقاً بأيدي الأميركيين لا حكومتهم.