اعترافات مزيدة بنقاط ضعف الحرب

05 يونيو 2024
+ الخط -

بدأ حتى بعض الذين يضربون بسيف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ولا سيما إلى ناحية تسويغ عمله على إطالة أمد الحرب التي يشنّها على قطاع غزّة منذ ثمانية أشهر، يسلطون الضوء على عدة نقاط في ضعفها التي تكمن أهميتها في مجرّد أنها تحكُم تفكيرهم بالنسبة إلى جوهر أي تطوّرات مقبلة، بما من شأنه أن يتوافق مع دلالات المحطّة التي نقف عندها في الوقت الحالي.

نقطة الضعف الأولى، برأيهم، أن استمرار الحرب يتسبّب بعرقلة التوصل إلى صفقة تبادل تسفر عن إطلاق الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزّة، فضلًا عن تعزّز استحالة إطلاقهم من خلال العمليات العسكرية. ويُشار هنا إلى أن نجاح المقاومة الفلسطينية في الاحتفاظ بالرهائن عندما كانت المناورة البرّية الإسرائيلية في ذروة سعة انتشارها دليل على نجاح مضمون أكثر بهذا الشأن مع انسحاب ألوية الجيش الإسرائيلي وفرقه من معظم مناطق القطاع. وبحسب ما يؤكّد المؤرّخ العسكري داني أورباخ، من الأسهل بكثير على حركة حماس أن تحتفظ بالرهائن في مناطق لا تطأها أقدام جنود الجيش الإسرائيلي بشكل دوريّ.

نقطة الضعف الثانية أن إطالة أمد الحرب، مع اختلاف شكلها، تعني عدم إتاحة المجال أمام إمكان عودة السكان الإسرائيليين الذين جرى إجلاؤهم من محيط منطقة الحدود مع قطاع غزّة في الجنوب ومحيط منطقة الحدود مع لبنان في الشمال إلى منازلهم حتى إشعار آخر.

ونقطة الضعف الثالثة مرتبطة بالجمهور الإسرائيلي العريض الذي أشبع بعبارة "النصر المطلق" والسريع الذي طال انتظاره ولا تظهر أي بوادر له في الأفق، ما قد يعزّز في أوساطه خيبة الأمل من هذه الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل والتي يتكرّر توصيفها بأنها حرب سيزيفية أكثر من أي توصيف آخر، بما في ذلك على لسان مسؤولين عسكريين. وأظهر استطلاع للرأي العام الإسرائيلي أجراه معهد الحرية والمسؤولية في معهد رايخمان في هرتسليا قبل أسبوع أن 35% ـ 40% من الإسرائيليين يعتقدون أن نتيجة الحرب في غزّة تُعدّ انتصاراً لحركة حماس، وفقط واحد من كل عشرة إسرائيليين يعتقد أن إسرائيل هي المنتصرة. ووفقاً للاستطلاع نفسه، أكد الذين أعربوا عن اعتقادهم بأن إسرائيل هُزمت، لأنها دخلت في الشهر التاسع من هذه الحرب من دون أن تنهار "حماس"، أن دلالات هذه الهزيمة ستبقى موجودة في الوعي الإسرائيلي. ودلّ الاستطلاع أيضاً على أن معظم الجمهور فقد الثقة والشعور بالسيطرة على حياته، كما أن حالة عدم الوضوح، إلى جانب عدم الثقة، يؤدّيان إلى الشعور بالخوف، وإعادة تكرار هذا الخوف والتوتر تمثل انتصاراً للمقاومة. ... وأخيراً، تصاعد حملات الضغط الدولية، وتفجّر الخلافات السياسية الداخلية، يمكن أن يكبحا خيار مواصلة الحرب.

للمقارنة، كل هذه النقاط سبق أن تطرق إليها كاتب هذه السطور، لدى إجمال فترة نصف العام الأول من الحرب، والتي أوجزها الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) والرئيس الحالي لمعهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب تامير هايمان، بقوله إن إسرائيل أمست موجودة في أحد أسوأ المفترقات التي مرّت بها، فهي عالقة في حربٍ لم تنجح في حسمها بعد، وتواجه كل التصدّعات والاستقطابات الاجتماعية العميقة التي تختبئ وراء غبار المعارك. وفي قراءته، بالإضافة إلى المشكلات المرتبطة بالحرب في قطاع غزّة، تواجه إسرائيل معضلة في الجبهة الشمالية (مع لبنان). وفي هذه الجبهة التي تشكّل تحدّياً كبيراً هناك مشكلتان: الأولى أن حجم تعطيل الحياة اليومية الذي تُحدثه الآن أكبر كثيراً من حجمه في الجبهة الجنوبية (مع قطاع غزّة)، والثانية أنه ليس واضحاً متى ستعود الحياة في الشمال إلى طبيعتها. كذلك في الجبهة الدولية هناك مشكلتان أساسيتان: خسارة الشرعية جوهر وجود إسرائيل من جهة، وتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة وتحوُّل إسرائيل إلى موضوع حزبي - داخلي سياسي أميركي من جهة أخرى.