في الاستنتاجات الإسرائيلية بشأن تجديدات المقاومة

10 يوليو 2024
+ الخط -

مع أنه ما زال من السابق لأوانه إجمال مترتّبات هجوم طوفان الأقصى، إلا أنه يمكن ملاحظة أنه أضاف إلى انهيار مفهوم "إدارة الصراع" رسوخ مفاهيم أخرى، آثرت إسرائيل التغاضي عنها، أو محاولة التحايل عليها، كما يتّضح من خلاصاتٍ توصل إليها بعضُهم لدى إجمال ما آلت إليه فترة تسعة أشهر من الحرب على قطاع غزّة التي بدأت يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وبحسب أحد كبار الخبراء الإسرائيليين في إدارة المفاوضات المعقدة، في العدد الصادر أخيراً من مجلة "ذي ماركر" الاقتصادية الشهرية (يوليو/ تموز 2024)، فإن الاختيار الواعي لإدارة إسرائيل الصراع مع الفلسطينيين مثلما انعكس ذلك في سياستها حيال المسألة الفلسطينية على الأقل منذ عام 2000، انطوى على ثلاث قنابل موقوتة: الشعور الوهمي بالأمن، انعدام منظومات إلغاء التصعيد، التغاضي عن تغييرات خارجية تؤثر في "استقرار" إدارة الصراع. ويصل هذا الخبير، وهو موتي كريستال، إلى بيت القصيد، حين يؤكّد أن إدارة الصراع قد تكون مغرية وغير باهظة الثمن أحياناً، ومن شأنها أن تصرف الأنظار عن ضرورة معالجة الجذور، فضلاً عن أنها تسبّب تهدئة عوارض خطرة، غير أنها لا تحول دون التصعيد إلى ما لا نهاية. وما يتعيّن استخلاصه من هجوم طوفان الأقصى ومترتباته المتراكمة، أن إدارة الصراع لا يمكن أن تكون بديلاً من حلّ الصراع.

وقد أشير، في أكثر من مناسبة ودراسة، إلى أن مفهوم "إدارة الصراع" كان المركزي لدى بنيامين نتنياهو منذ عودته إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية عام 2009، وكذلك لدى معسكري اليمين والوسط في كل ما يتصل برؤيتهما إزاء القضية الفلسطينية. ولعلّ أكثر ما دجّج هذا المفهوم، الاعتقاد أن الصراع مع الفلسطينيين لم يعد يشكل تهديداً أمنيّاً جادّاً لإسرائيل. والطريق الأصوب للتعامل معه علاج مرحلي في كل فترة، حتى لو اضطر الأمر إلى خوض جولة قتالية محدودة مرّة كل عدّة أعوام، بما من شأنه أن يُبقي الواقع الأمني في قطاع غزّة والضفة الغربية على حاله وفي وضعه القائم. ووفقاً لما أكدته دراسة إسرائيلية مستجدّة، بينما تعامل نتنياهو مع الخطر الإيراني باعتباره تهديداً وجودياً، ونظر إلى خطر حزب الله اللبناني بأنه تهديد دراماتيكي، فإنه نظر إلى الصراع مع الفلسطينيين بوصفه "مسألة ثانوية"، كذلك فإن رئيس الحكومة السابق، نفتالي بينت، وصفه بأنه "بقايا شظية في المؤخّرة" لا أكثر، ما لا يستوجب السعي أو التقدّم نحو تسويةٍ مع أي جهةٍ في الجانب الفلسطيني، وباختصار تجنّب اتخاذ أي قرار جوهري وتحويل تجاهل القضية الفلسطينية إلى عقيدة سياسية - أمنية.

وفي سياق أبرز تعليقات إجمال فترة الأشهر التسعة المنقضية، لا بُدّ من التوقف عند ما نوّه به رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب، الذي شدّد على أن الحرب الحالية أثبتت وجود تجديداتٍ في عقيدة المقاومة التي كانت تعتمد على عدّة أسس أبرزها أنها بقيادة جهات غير حكومية، وتلتزم رؤية إسلامية، وهي مواجهة غير متكافئة، سيما في قوة المدفعية، وهي حرب أنصار، وحروب قصيرة من غير حسم، وحرب استنزاف من خلال إيقاع خسائر ومنع الحياة المستقرّة في إسرائيل. ولكنّ الأهم برأيه، أن هذه التجديدات حوّلت الحرب إلى تهديد استراتيجي. فالذين يقودون المقاومة لا يركّزون فقط على حرب الأنصار وإطلاق الصواريخ، بل هم مزوّدون بقدرات جيوش تقليدية، مثلما ظهر في هجوم 7 أكتوبر، وفي خطط حزب الله لاحتلال الجليل. والمبدأ الموجّه ليس الانتصار عبر عدم الخسارة، بل ضرب أهداف عسكرية ومدنية استراتيجية في إسرائيل، وتحييد دفاعات هذه الأخيرة واستخباراتها بواسطة سلاح دقيق تنتجه إيران. كما ظهرت في المعركة الحالية تجديدات أخرى لافتة، هي التنسيق العميق بين أعضاء معسكر المقاومة، والضغط الدولي غير المسبوق على إسرائيل الذي يدفع بها أكثر فأكثر نحو موقع دولة منبوذة.