استعداد مبكّر للانتخابات العراقية
هناك مؤشّراتٌ كثيرة إلى أن الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق قد بدأت بالفعل، فبعد اختفاء من ساحة النشاط العلني، عاد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى الظهور، منذ أشهر، على مواقع التواصل الاجتماعي مجدّداً، وأثار قضايا عديدة خلافية الطابع، منها إصراره على تمرير مناسبة الغدير عيداً وطنياً، ولم ينته هذا النشاط بظهوره أخيراً في مراسم الزيارة الأربعينية في كربلاء، وهو يشرف على الخدمات المجانية المقدّمة للزائرين. وهو نشاط شاركته فيه قيادات شيعية أخرى، لما للمناسبة من تأثيرٍ رمزيٍّ كبير في الجمهور الشيعي في العراق.
من جانب آخر، هناك ما يشي بأن رئيس الوزراء الحالي محمّد شيّاع السوداني سينزل في الانتخابات المقبلة بقائمة منفردة، ربما تحت اسم "تيار الفراتين"، وهي القائمة التي يرأسها السوداني وفازت بثلاثة مقاعد في انتخابات 2021.
ستكون الانتخابات المؤمل إجراؤها في موعد غير محدّد من السنة المقبلة مهمة لكلّ الأطراف الحالية. وعلى الرغم من أن التيار الصدري لم يكشف صراحة عن نياته، فإن من الصعب الافتراض بأنه سيقاطعها، وخصوصاً أن التيارات السياسية المسيطرة على الحكومة الحالية تجاهلت دعواته إلى الانتخابات المبكّرة، والتي أطلقها في يوليو/ تموز 2022، بعد الأزمة التي عصفت بالبلاد، وقبيل انسحاب كتلة التيار الصدري من البرلمان.
في حال شكّل رئيس الوزراء تحالفاً انتخابياً من المحافظين الفائزين في انتخابات مجالس المحافظات أخيراً، القريبين من خطّه السياسي، وكذلك بعض القوى التي توصَف بأنها قوى شيعية معتدلة، فإنه سينال فرصة جيّدة في الفوز والحصول على كتلة كبيرة، ستأكل، بكلّ تأكيد، من جرف كيانات سياسية أخرى، في مقدمتها كتلة "دولة القانون" التي يترأسها نوري المالكي، والتي خرج السوداني من تحت عباءتها أصلاً.
كما أن إبقاء السوداني شخصية صدرية بارزة، هو حميد الغزّي، في منصبه أميناً عامّاً لمجلس الوزراء، يكشف دوافع السوداني بمدّ خطوط الوصل مع زعيم التيار الصدري، وعدم القطع معه، تماماً كما فعلت التيارات السياسية الشيعية الأخرى.
تعرف التيارات السياسية المقرّبة من إيران، المهيمنة على الحكومة العراقية حالياً، بأنها صعدت إلى البرلمان بالمقاعد التعويضية للصدريين المنسحبين، وأنها بجهدها الخاص لن تستطيع الحصول على كتلة وازنة في البرلمان المقبل، خصوصاً إذا عاد التيار الصدري بقوة الى الساحة السياسية، وإذا تغيّرت بوصلة الناخبين العراقيين المقاطعين، وهم كتلةٌ كبيرة، لصالح الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وكذلك إذا قرّرت التيارات السياسية المناوئة لأحزاب الإسلام السياسي الشيعي أن تتحّد وتنظّم نفسها في تيار انتخابي واسع.
لم تكن الظروف العامة التي حكمت الانتخابات في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 تشجّع أناساً كثيرين للذهاب الى صناديق الاقتراع. كانت تظاهرات تشرين الأول 2019 قد انتهت بشكل مؤلم، واغتيال الناشطين والشخصيات السياسية المعارضة مستمرّاً، ولم يكن الوقت كافياً للتيارات السياسية الجديدة المعارضة كي تعمل بشكلٍ أفضل مع الشارع. وكان من نتائج ذلك أن يهيمن لون سياسي واحد على البرلمان الحالي، يقود البلد من أزمةٍ إلى أزمةٍ أخرى.
يجب أن يعيد الحزب الشيوعي العراقي، باعتباره قوّة سياسية عريقة، تنظيم صفوفه، وأن يكون النواة الصلبة لتحالفٍ مدنيٍّ واسع. وأن تعمل القوى المدنية الأخرى، والمعارضون للاسلام السياسي الحاكم، لكسب الشارع المقاطع للانتخابات، فهم الخزّان الانتخابي الأهم، لأن الأحزاب الموجودة تملك بالفعل قواعد شعبية سياسية، وإنْ كانت محدودة، ولكنها، بمقاطعة المعارضين، تستطيع أن تدفعها إلى البرلمان، وخصوصاً أنه لا توجد نسبة للمصوّتين تجعل الانتخابات شرعية، فتحت أي نسبة كانت ستكون الانتخابات شرعية في كلّ الأحوال، وإنْ قاطع المعترضون، فهذا يتيح للأحزاب المهيمنة أن تصعد للبرلمان براحة ومن دون مشكلات.
يجب أن يغادر الناخبون المقاطعون السلبية، وأن يكون لديهم شعور بالمسؤولية تجاه مستقبل البلد، وأن يعمل الجميع لإقصاء القوى المتطرّفة، وأن لا يكون لها حضور كبير في البرلمان المقبل.