اختفاء الوسادة الخالية
يتذكّر معظمنا أحداث فيلم "الوسادة الخالية" المأخوذ عن قصة لإحسان عبد القدوس. افتتح الفيلم بعبارةٍ، كما الرواية على أولى صفحاتها "قد يعيش كلّ منا على وهم كبير اسمه الحبّ الأول". والأحداث التي تابعناها بشغف تعبّر عن مشاعرنا الأولى التي ضحكنا من سذاجتها فيما بعد. فالشاب الذي وقع في حب فتاةٍ كان يلتقيها سرّاً في لقاءات بريئة قد تزوجت رجلاً آخر، مستعد للزواج بكامل إمكاناته على العكس منه، فقد كان لا يزال طالباً جامعياً؛ وحين قرّر أن يفاتح والده بموضوع زواجه بحبيبته، ضحك الأب منه ضحك المجرّب، وأخبره أنه قد مرّ بالمشاعر الوليدة المتلاشية نفسها، فالحب يعني الاستعداد للارتباط، ولم يكن زواج الحبيبة سوى دافع لكي يصبح الحبيب الأول مهندساً مشهوراً وناجحاً، بعدما غرق فترة في اليأس بسبب ضياع الحب. لكنّه توقف للحظات مع نفسه، وقرّر أن يكون ناجحاً وجديراً بأيّ فتاة، لكنّ ذلك لم يمنع نوازع انتقام مهذبة وراقية بداخله، حيث تقرّب من زوجها، وأصبحت ترى نجاحه وشهرته، وكأنه يريد أن يقول لها: ها أنا ذا أفضل من زوجك.
لكنّ الفتاة لا حيلة لها أمام مجتمع شرقي يصرّ على تزويج الفتاة بفرصةٍ لائحة، مثل الطبيب الشاب الناجح والمكتمل الأوصاف، كما في أحداث الفيلم. ولذلك لم يعرّج إحسان عبد القدوس على وضع وسيلة انتقام دموية من الشاب، وكأنّه يريد أن يترك رسالة دائمة لكلّ الشباب، بدأها بالعبارة التي افتتح بها الفيلم والرواية، أنهاها باكتشاف الشاب أنه لم يكن يحيا إلّا في وهم، وأنّ الحب الحقيقي حبّ زوجته التي تفانت من أجله، وقد ارتبط بها حين كان قادراً على الارتباط، وإنشاء بيتٍ وتكوين عائلة.
ما زالت حادثة مقتل أكثر من فتاة تصدمنا، وما زلنا نتساءل عن دوافع القتل وذرائع القاتل. ورغم أنّ قصة دامية، مثل قصة مقتل الفتاة المصرية نيرة قد شغلت الرأي العام، وما زالت، إلّا أنّ التفاصيل تحمّل أكثر من طرفٍ غير القاتل المسؤولية. ولذلك، نتساءل: لماذا نضع بناتنا في علاقات شائكة أو نعتقد أن زواج البنت قد يكون حلاً لمشكلاتها النفسية والاجتماعية، وحتى مشكلات أسرتها الاقتصادية.
سواء كان ما جاء في اعترافات قاتل الفتاة نيرة صحيحاً أو لا، نجد أنفسنا أمام قاتل قرّر أن ينهي حياة إنسانة أحبّها ذات يوم، ومثله قاتل الفتاة الأردنية إيمان ارشيد. والبحث عن أسباب مثل هاتين الجريمتين ومبرّراتهما يعني أنّ علينا أن نعود إلى الجذور، ويقصد بها أسلوب تنشئة الأبناء منذ صغرهم. فالمشكلة تكمن في فشل الأسرة في تربية الأبناء على ثقافة التخلي وإيجاد البدائل قبل أن نربيهم على الأخلاق أو نحثّهم على التفوّق الدراسي والأكاديمي. فزرع الثقة في نفس الابن مطلوب، وخلط الابن الذكر بمجالس الرجال بحيث لا ينشأ هشاً ولا ضعيفاً ولا منطوياً، إذ إنّ مخالطة الابن منذ صغره لمجتمعه الأكبر يصنع بداخله إحساسَه برجولته. وفي المقابل، علينا أن نربّي بناتنا كأمهات لجيل المستقبل، لا كحسناوات عليهن اصطياد الرجال لجمالهن، أو استغلال جمال البنات وأنوثتهن، لتحقيق مكاسب مادية للأسرة على حساب البنت، مثلما أشيع عن استغلال أسرة الفتاة القتيلة نيرة.
المطلوب من كلّ أبٍ وأمٍ أن يُحسنا الغرس، فلا علاقة بالحثّ على ارتداء الحجاب منذ الصغر للبنت بحرص الأسرة على بعدها عن مجتمع الرجال، وعدم الخوض في علاقات من دون إطار شرعي. لذلك أولاً وأخيراً نحن أمام قضية مهمة تحمّل الأسرة المسؤولية الأكبر فيها، والإقدام على قتل الحبيب حالة نادرة في الماضي، وباتت تجد لها مكاناً أخيراً في مجتمعاتنا أمام تغير نمط التربية وقسوة الظروف أمام الشباب وانحراف بوصلة تنشئة البنات وتربيتهن، وعدم أخذ أرباب الأسر بمبدأ حياتي قرآني مهم بقوله تعالى: "وتسريح بإحسان".