02 نوفمبر 2024
إدلب والمحرقة الروسية
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
تشكل إدلب في شمال سورية عقدة لأطراف تفاهمات أستانة، روسيا وإيران وتركيا. وكلما تقدّم الزمن، صارت المشكلة تكبر وتتعقد أكثر، تبعا لأداء كل طرف وطموحه لاستثمار هذه الورقة التي تتحكّم روسيا بالحصة الأكبر منها، وهذا ما يتيح لها رسم المسار العام للحدث، على الرغم من أنها لا تستطيع تصريف الورقة منفردة. وتعتبر إدلب منطقة ذات وزن نوعي في المسألة السورية المتفجرة، وما يميزها أن السوريين الذين يعيشون فيها هم خليط من سكانها الأصليين، ومن الذين نزحوا إليها في العامين الأخيرين من ريف دمشق ومنطقة الجنوب، ويجمعهم قاسم مشترك أنهم جميعا رفضوا عروض المصالحة التي قدّمها الروس، وفضلوا ترك ديارهم على البقاء بشروط النظام.
ولا يعني وضع إدلب الحالي أنها تعيش تحت راية الثورة السورية بالضرورة، فهناك رايات وأجندات أخرى مسلحة تتعايش، وتتصارع بعيدا عن سيطرة النظام، وسط حاضنةٍ شعبيةٍ لا تزال عند حلم الثورة السورية الأول، على الرغم من الثمن الكبير الذي دفعته. ويجانب الصواب كل من يعتبر أن هذه الحاضنة على وفاق تام مع القوى المسلحة. وهناك نقطة أخرى على درجة من الأهمية، وهي أن إدلب هي الجدار الأخير لقرابة أربعة ملايين سوري، بات العدو من ورائهم ولا بحر من أمامهم، بعد أن أغلقت تركيا حدودها أمامهم بضغط من أوروبا، ولم يعد أمامهم من منفذ للنجاة، ومع الأيام تصبح فكرة النجاة من الوضع المأساوي نوعا من الترف، فإما الموت أو الموت ولا خيارات أخرى، ولذلك هناك عشرات الآلاف الذين ينامون في العراء، منذ بدأت عملية التصعيد الراهنة في مطلع فبراير/ شباط الماضي. حتى الخيمة صارت حلما بعيد المنال. وتنقل تقارير تلفزيونية مصورة نمطا من الحياة لا مثيل له في عالم اليوم، وهي الحياة في البرّية تحت ظلال الزيتون التي تنعدم فيها أبسط المقومات.
لم يعد السوري ينتظر شيئا من أحد، وهو يعرف أن أحداً لا يكترث به، وسواء عاش أو مات لن يهتم به أحد. هي نسخة جديدة من فساد البشرية وانحطاطها في العصر الترامبي السعيد الذي لم تعد فيه حقوق الإنسان تعني شيئا، وصارت حياة ملايين البشر السوريين مثل كمشة ترابٍ في رياح روسيا وإيران. ولذلك يتصرف المحتل الروسي بكل حرية، فيضرب حيث يمكن أن يوجع الناس أكثر، وكانت صور المرضى، خلال هذا الأسبوع، وهم يهربون في الشوارع من هجمات الطيران الحربي الروسي واحداً من المشاهد التي لن تنمحي من الذاكرة. هي حرب إبادةٍ معلنةٍ أمام العالم وبالصور الحية، ولا تماثلها مأساةٌ سوى غرف الغاز التي بناها النازيون لحرق اليهود في الحرب العالمية الثانية. هي الوحشية والكلبية والتخلي نفسها. أن يُخرج الطيران الروسي البنى التحتية الصحية عن الخدمة ليس أمرا جديدا، فقد مارس الجرائم نفسها في الغوطة ودرعا وحلب، وكان بذلك يستخدم أكثر الأسلحة فتكا وعنفا، وهو بذلك نقل دروس حرب الإبادة التي ارتكبها في غروزني الشيشانية التي حكمها بعد أن أفنى البشر والحجر، ونال رئيس الأركان الروسي الحالي، غينادي غراسيموف، وساما من بوتين، لأنه استطاع أن يطفئ كل جذوة حياة في غروزني، وكتبت الصحافة الأجنبية الكثير عن جرائمه في حلب في عام 2016، والتي دفعت أهالي شرق حلب إلى الخروج بهجرة جماعية.
يأمل المرء ألا يصيب إدلب مصير حلب، ولكن المؤشرات لا توحي بأن هناك مخارج تجنب الناس المدنيين هذه المحرقة، وهذه مسؤوليةٌ على الجميع أن ينهض بها قبل أن تقع الكارثة التي ستفوق كل ما سبقها أثرا.
ولا يعني وضع إدلب الحالي أنها تعيش تحت راية الثورة السورية بالضرورة، فهناك رايات وأجندات أخرى مسلحة تتعايش، وتتصارع بعيدا عن سيطرة النظام، وسط حاضنةٍ شعبيةٍ لا تزال عند حلم الثورة السورية الأول، على الرغم من الثمن الكبير الذي دفعته. ويجانب الصواب كل من يعتبر أن هذه الحاضنة على وفاق تام مع القوى المسلحة. وهناك نقطة أخرى على درجة من الأهمية، وهي أن إدلب هي الجدار الأخير لقرابة أربعة ملايين سوري، بات العدو من ورائهم ولا بحر من أمامهم، بعد أن أغلقت تركيا حدودها أمامهم بضغط من أوروبا، ولم يعد أمامهم من منفذ للنجاة، ومع الأيام تصبح فكرة النجاة من الوضع المأساوي نوعا من الترف، فإما الموت أو الموت ولا خيارات أخرى، ولذلك هناك عشرات الآلاف الذين ينامون في العراء، منذ بدأت عملية التصعيد الراهنة في مطلع فبراير/ شباط الماضي. حتى الخيمة صارت حلما بعيد المنال. وتنقل تقارير تلفزيونية مصورة نمطا من الحياة لا مثيل له في عالم اليوم، وهي الحياة في البرّية تحت ظلال الزيتون التي تنعدم فيها أبسط المقومات.
لم يعد السوري ينتظر شيئا من أحد، وهو يعرف أن أحداً لا يكترث به، وسواء عاش أو مات لن يهتم به أحد. هي نسخة جديدة من فساد البشرية وانحطاطها في العصر الترامبي السعيد الذي لم تعد فيه حقوق الإنسان تعني شيئا، وصارت حياة ملايين البشر السوريين مثل كمشة ترابٍ في رياح روسيا وإيران. ولذلك يتصرف المحتل الروسي بكل حرية، فيضرب حيث يمكن أن يوجع الناس أكثر، وكانت صور المرضى، خلال هذا الأسبوع، وهم يهربون في الشوارع من هجمات الطيران الحربي الروسي واحداً من المشاهد التي لن تنمحي من الذاكرة. هي حرب إبادةٍ معلنةٍ أمام العالم وبالصور الحية، ولا تماثلها مأساةٌ سوى غرف الغاز التي بناها النازيون لحرق اليهود في الحرب العالمية الثانية. هي الوحشية والكلبية والتخلي نفسها. أن يُخرج الطيران الروسي البنى التحتية الصحية عن الخدمة ليس أمرا جديدا، فقد مارس الجرائم نفسها في الغوطة ودرعا وحلب، وكان بذلك يستخدم أكثر الأسلحة فتكا وعنفا، وهو بذلك نقل دروس حرب الإبادة التي ارتكبها في غروزني الشيشانية التي حكمها بعد أن أفنى البشر والحجر، ونال رئيس الأركان الروسي الحالي، غينادي غراسيموف، وساما من بوتين، لأنه استطاع أن يطفئ كل جذوة حياة في غروزني، وكتبت الصحافة الأجنبية الكثير عن جرائمه في حلب في عام 2016، والتي دفعت أهالي شرق حلب إلى الخروج بهجرة جماعية.
يأمل المرء ألا يصيب إدلب مصير حلب، ولكن المؤشرات لا توحي بأن هناك مخارج تجنب الناس المدنيين هذه المحرقة، وهذه مسؤوليةٌ على الجميع أن ينهض بها قبل أن تقع الكارثة التي ستفوق كل ما سبقها أثرا.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024
12 أكتوبر 2024