19 نوفمبر 2024
أولئك الشباب والراهن العربي
لم يكن وزير الدفاع الجزائري، رئيس الأركان السابق، بوخرّوبة محمد إبراهيم (هواري بومدين باسمه الذائع)، قد أتم عامه الثالث والثلاثين في يونيو/ حزيران 1965 عندما أطاح رفيقه أحمد بن بلة، وحبسَه، وجلسَ مطرحه رئيسا. أما الملازم معمر محمد عبد السلام القذافي ففي عمر السابعة والعشرين تولّى رئاسة ليبيا، عندما صار رئيس مجلس قيادة الثورة فيها، عقب مشاركته في الانقلاب على الملك محمد إدريس السنوسي. وفي مصر، تولّى البكباشي (المقدّم) جمال عبد الناصر الزعامة الأولى في بلاده، في نحو الخامسة والثلاثين عاما من عمره. وفي زمنٍ لاحق، انتخَب مجلسٌ قياديٌّ في اليمن في 1978 بالإجماع المقدّم علي عبد الله صالح رئيسا، ولم يكن هذا قد أتم السادسة والثلاثين عاما. وفي نحو الأربعين عاما من عمره، وثب وزير الدفاع السوري، في 1971، حافظ الأسد، إلى رئاسة بلاده، في انقلاب شهير. وكان صدّام حسين، غير العسكري التنشئة، ثلاثينياً، عندما كان يحكم العراق، من موقعه نائبا للرئيس، قبل أن يخطف الرئاسة في نحو الأربعين عاما من عمره.
هذا عن رؤساء وعساكر عربٍ معروفين، أما عن ثوريين وحزبيين وحركيين، فإن ياسر عرفات تزعّم حركة فتح التي كان من أبرز مؤسسيها في الثلاثين عاما من عمره، وترأس منظمة التحرير في الأربعين. وأول أمين عام قُطري لحزب البعث في العراق، فؤاد الركابي، فبالكاد كان عمره سبعةً وعشرين عاما لمّا انعقد له موقعه هذا في 1958. وكان ميشيل عفلق في السابعة والثلاثين عاما لمّا انتُخب عميدا للحزب في 1947. وفي الخامسة والعشرين عاما من عمره، ترأس المغربي، المهدي بن بركة، في 1945 رئاسة أكبر أحزاب بلاده (الاستقلال). وكان الحبيب بورقيبة قد أنشأ حزبه، الحر الدستوري، في تونس، في طورٍ من أطوار كفاحه ضد الاستعمار الفرنسي، في سن الحادية والثلاثين عاما. وشارك جورج حبش في تأسيس حركة القوميين العرب في 1959 في عمر الثالثة والثلاثين عاما.
الحسد العميم، في كثيرين منا، نحن العرب، تجاه الفرنسيين، لأنهم ينتخبون شابا، اسمه إيمانويل ماكرون، لم يصل إلى الأربعين عاما، رئيسا عليهم، هو ما استدعى التذكير بهذا الأرشيف من عدّة مطارح عربية، في أزمنةٍ بعيدةٍ مضت، يتعلق بعسكريين توسّلوا الانقلابات في خطف السلطة ثم المكوث فيها عقودا، وبثوارٍ ومناضلين وحركيين ومقاومين. ما يدلّ على أنه كان في وسع شبّان عرب أن يقودوا، وأن يصيروا زعماء، وأن يحكموا بلدانا، وأن يخرّبوها أيضا. وأن يكون أهل الاختصاص في الاجتماع السياسي هم من يستطيعون الوقوف على أسباب امتناع هذا الأمر في الزمن العربي الراهن، ويُسْرِه في تلك الأزمنة، فذلك لا يحول دون أن يجتهد واحدُنا، فيرى أن اعتصام أولئك الشبان في السلطة، وإقامتهم فيها إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا، وبناءَهم شبكات التسلط والتحكّم عقودا، هو ما يجعلها مختنقةً مساحاتُ الشبان، الثلاثينيين مثلا، في المواقع المتقدّمة في المجال العام. وهذه انتخابات اللجنة المركزية لحركة فتح، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، يصعد فيها عشرةٌ من الأعضاء الـ 18، أعمارُهم بين 61 عاما و70 عاما، وثلاثة بين 71عاما و80 عاما، أحدهم رئيس الحركة ومنظمة التحرير (محمود عباس)، حتى أن فوز صبري صيدم الذي يبلغ 45 عاما اعتُبر اختراقا شبابيا بين هؤلاء.
يلتقي هذا المقطع الفتحاوي مع انتخاب الباجي القائد السبسي في الثامنة والثمانين عاما من عمره رئيسا لتونس، في أول انتخاباتٍ رئاسيةٍ بعد ثورة الشباب هناك. والواقعتان غير بعيدتين عن مشهد الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، في الثمانين عاما، وفي غضون ولايته الرئاسية الرابعة، يشارك في الانتخابات التشريعية قبل أيام، وهو على كرسيّه المتحرّك. وفي اليمن، لا ينجمُ عن ثورة الشباب في ميادين تعز وصنعاء وعدن في 2011 غير رئاسة السبعيني، عبد ربه منصور هادي، والاحتراب الأهلي الذي نشاهد.
ولكن، من قال إن قصّتنا نحن العرب إنما هي قصة شوقٍ إلى رئيس يُنتخب في عمر إيمانويل ماكرون؟ لا، إنها ليست هنا، بل في موضعٍ آخر، توضحه إيمان القويفلي في مقالتها في "العربي الجديد" أمس "لا نريد رئيساً عربيّاً شابّاً".