أم كلثوم وملاعيب شيرين
لكل سلطةٍ في عالمنا العربي همومها التي تثير الضحك أحيانا في زمن البكاء، فمرّة عضّ كلب أم كلثوم مواطنا مصريا، كتب في تلك العضّة الشاعر أحمد فؤاد نجم قصيدة عصماء، دافع فيها عن المواطن المسكين الذي كان آنذاك هو وقود الثورة وكبريت قوى الشعب العاملة، وذلك قبل أن يرقص بالطبع الشاعر أحمد فؤاد نجم باللاسة والخيزرانة في استديو الملياردير محمد أبو العينين. وصارت قصيدة نجم حدثا، ولم يتم استدعاء كلب الستّ بالطبع إلى قسم الشرطة، وعلّ الستّ ضحكت في البلكونة على قصيدة نجم، وتولي محاميها، وهي مشغولة باللحن الجديد، عقد صلح ودّي ما بين الشخص المعضوض والستّ أم كلثوم.
أشياء من هذا القبيل قد تثير موجة من الضحك في عالمنا العربي، وأخذ راحة من بحار النكد، سواء بعد الهزيمة أو الأسلحة الفاسدة، كأن يرسل تاجر فراخ إلى الفنانة ليلى مراد من بني سويف كل أسبوع من بلدته قفصا مليئا بالحمام والفراخ والديوك الرومية، على أمل أن يلين قلب ليلى للتاجر. وفي النهاية، يصل إليه ذلك التحذير من جهة مسؤولة، بعدما كثرت أقفاص الدجاج والرومي أمام بيت ليلى مراد، فيخاف التاجر ويكفّ عن إرسال الأقفاص من بني سويف. أشياء من هذا القبيل كانت له مسحة جميلة من خفّة الدم والذوق والمفارقات المثيرة للضحك، فماذا مثلا لو لان قلب ليلى مراد لتاجر الفراخ، كما لان قلب أميرة من الأسرة العلوية لنجّار من عابدين، فقير، وقد أصبح يغنّي في الإذاعة والسينما، وصار له الصيت والطربوش، وعملت له التماثيل من الجبس والأفلام السينمائية ومنولوغات غنائية ضاحكة ما زالت تعجبنا، وكان اسمه محمود شكوكو. وحدث أيضا أن أطلق الممثل أحمد سالم على المطربة أسمهان رصاصة من مسدّسه، لولا تدخل القدر لإنقاذها مع الملحن مدحت عاصم، الذي كان موجودا مصادفةً في مكان الحادث، وهو صاحب لحن "دخلت مرّة الجنينة"، للمطربة نفسها أسمهان.
كان الزمن جميلا، والسياسة عالمية، والمعارك أيضا لها شرفها وعلو مكانتها، وجمال من يعادي وسحره، فتخيّل أسمهان، وأحمد سالم أول من اشترى طائرة خاصة، وقادها بنفسه من أميركا إلى مصر بثمن فدادين من أطيان أمه، لا بفلوس أبو العينين، أو متعهد حفلة في دبي أو صفط الخمارة، فالمعنى مفارق وبعيد جدا، ومخجل جدا أيضا لنا الآن جميعا، والعشق حاد وحرّاق وحقيقي. أما أن تعلن المطربة شيرين عن حلاقة شعر رأسها زيرو، ومحاولة الهرب من زوجها إلى حفل في الإمارات، وقد ظهرت برأسها حليقا في "ليلة الزعل" نفسها، فتحسّ أن الطبخة "ريحتها وحشة"، خصوصا إذا كان الملعوب قد تم بحفلة تم الاتفاق عليها سلفا مع سفر العازفين، وتأشيرات الدخول وآلاتهم الموسيقية. جرى ذلك كله خلال ساعات، فاعرف أن الملعوب والحب والسياسة أيضا قد صارت أضحوكة، وصارت ألاعيب صغار عند الحلاقين، خصوصا أن شيرين عادت بعد أسابيع، وعاد الملحن العاشق إلى عشّ الزوجية، ثم يهدّدها من أيام بمسدس انتهى ترخيصه، أو لم تكن فيه رخصة أصلا. ويتوجه الجميع إلى النيابة، وتأمر النيابة بكفالة "10 آلاف جنيه" على الملحن العاشق صاحب المسدس ووالد أولاد المطربة.
وبعد يومين تتسامح المطربة في بلاغها ويتم الصلح على أغنية محمود شكوكو "أدّيني بقرش لب"، فاعرف أن اللعبة باتت في يد "عيال هواه" أقل بكثير من العاطلين عن العمل من الممثلين في قهوة بعرة، لأن السياسة صارت كقزقزة اللبّ في أغنية محمود شكوكو. لا فيها تدخلات الملك فاروق، حينما علم بقصة حب أم كلثوم مع ملحّن شاب هو في ذلك الوقت، محمود الشريف، فتم فسخ الخطبة، لأن محمود الشريف أقل بكثير من حب سيدة "مات فيها الملايين من شعبها" عشقا، فكيف ينولها محمود الشريف هذا، بعدما صارت هي الستّ وغنّت "يا ليلة العيد"، وقلبت الكلام "يعيش فاروق"، فهللت الجماهير لحظة دخول الملك فاروق، إلى الحفل. أو حينما حاول زوجها فيما بعد، دكتور الحفناوي، أن يضربها في "فيلا أبو الفدا"، بعد خلافٍ بينهما، فيقال إن عبد الناصر تدخل شخصيا، وحال ما بين أم كلثوم وضربها من زوجها دكتور الحفناوي، فكيف يجرؤ الحفناوي على ضرب "ستّ الكل"؟
نحن، الآن للأسف الشديد، أمام مساخر مخجلة جدا وصغيرة جدا وهابطة أيضا، من إنتاج سوق الجمعة، في إمبابة، حيث العراك على "فرد حمام بلدي"، أو حصّالة قديمة أو ساعة جوفيال قديمة أو صورة قديمة لمحمود شكوكو بعدما أمال الطربوش على حاجبه وتحزّم باللاسة.
قلّت المعارك هيبة وجمالا، وصرنا أضحوكة الملاعيب، فيا أهل المغنى، دماغنا حقيقة وجعنا، بعدما انتهى الغناء والسياسة أيضا، وكثرت الملاعيب السمجة ثقيلة الظل، والتي تشبه هذه الأيام تماما.