أصخرة أنت؟
أصخرةٌ أنت لتحتملَ كل هذه القباحة، كل هذا العنف؟ ثمّة أخبار تقرأها تشلّ عقلك، تقتل قدرتك على القول، على التفكير. ثمّة أخبار تجلس في روحك لتنشر فيها السمّ ببطء. أنت لا تسعى حتى إلى أن تتخلّص منها، إذ تدرك أنك ما إنْ تعرف حتّى يبقى أثرُها عالقا فيك حتى الممات. طفلة لا تعدو سنّها بضع سنوات ماتت بسبب الاعتداء الجنسي الوحشي والعنيف والمتكرّر على جسدها الصغير. لين طالب، ابنة الستّ سنوات. المتهم والد الوالدة، الجدّ، لكنّ الوالدة لم تستلّ سكينا ولم تنحره. أنا كنتُ لأفعل، أو يخيّل إليّ. لكي أحمي ابنتي، أعتقد أني قد أبلغ حدّ القتل. يتهيّأ لي ربما لأنه ردّ الفعل الأوليّ، التلقائي والمباشر، قبل أن يُعمل الدماغ آلته ويبدأ التفكير. أتصوّر أن الأمور تجري هكذا لدى معظم الأهل، عندما يدركون أن ثمّة من يؤذي أطفالهم عن سابق قصد وتصميم. لا أدري ما كان رد فعل والدة لين. قيل إنها تستّرت على المعتدي، وهو والدها، وحاولت أن تخفي جريمته. لكنّ حرارة الطفلة ارتفعت، والنزيف تفاقم، وكان لا بد من حمْلها إلى المشفى القريب. لين التي نراها في شريط فيديو ترقُص فرحة كما تفعل بنات عمرها، تشلع القلب، تقتلعه من الصدر، تعصره، وتقصّ الشرايين. لين التي يحرِق منظرُها القلبَ كما الأسيد، لا يمكن تخيّل ما مرّت به في أثناء وجودها في منزل جدّها ثمانية أيام، برفقة والدتها المنفصلة عن والدها. لا يجب تخيّل الأمر، ثمّة ما يفوق قدرتنا على الاحتمال، لا يجب أن نفكّر في تفاصيل ما جرى، كي لا نكره البشرية جمعاء، نلعن العالم، لكي لا نكفر ...
ليست لين الضحية الوحيدة. سبقها آخرون، وسوف يليها حتما آخرون. الأعداد تتكاثر. أطفال وطفلات يتم الاعتداء عليهم من أقارب وغرباء. ليس من ضمير أو خوف من العقوبة يوقف المجرم ويمنعه من الإقدام على فعلته. ليس من قوانين تحمي وتردع. ليس من حمايةٍ اجتماعيةٍ أو شبكات أمان، كما ليس من دولةٍ تراقب وتعاقب. أطفال لبنان مرميون في مهبّ الريح، في مهبّ الغرائز المتفلّتة من عقالها، في مهبّ الوحشية والاعتداء والقتل السهل. أطفالٌ رضّع يُرمون في مكبّات النفايات، وسواهم يتعرّضون للتعنيف في الحضانات. الفيديو سُرّب لامرأةٍ تضرب ابنة عام واحد، عام! تصفعها على وجهها وتكاد تخنقها بإدخال الطعام عنوةً في بلعومها. هذه الطفلة ليست يتيمة. لديها أهل يعملون ويدفعون ما يفوق طاقتهم أحيانا ليعهدوا بأطفالهم إلى من يعتني بهم في غيابهم، فتبدّى أنهم كانوا يرسلونهم يوميا إلى التعذيب.
القصص لا تنتهي. الانحلال تام والفساد مستشرٍ. ثمّة سيدة تدعى نورما سعيد أسّست جمعية "قرية المحبة والسلام" (!) بهدف رعاية الأطفال المهمَلين والمشرّدين من كلّ الأعمار، سيّما من هم ما دون سنّ السابعة. سيدة عظيمة، كبيرة القلب ومُحبّة للخير والعمل الإنساني، اتّضح أنها تتاجر بالبشر، تبيع أطفالا للتبنّي، تغضّ النظر عن تحرّش شريكها بقاصرتيْن، تحثّ أخرياتٍ على ممارسة الجنس وتناول المخدّرات، كما تستغلّ بعضهن للخدمة في منزلها...
لقد حذّرت تقارير "يونيسف" من "بدايات مظاهر العنف" في لبنان، لافتة إلى أن نحو 1.8 مليون طفل، أي ما يزيد عن نسبة 80%، يعانون فقراً متعدّد الأبعاد ويواجهون خطر تعرّضهم للانتهاكات، كما أشارت إلى "تضافر مختلف أنواع الحرمان وأشكاله، والتعرّض المستمرّ لتأثيرات الأزمة الاقتصادية الشديدة وفقدان الأمل"، وهو ما أثّر بقوّة على صحّة الأطفال النفسية، فأصبحوا يعجزون، في معظم الحالات، عن الحصول على الرعاية التي يحتاجونها.
"يشعر الأطفال بالإحباط، بعدما فقدوا الثقة في الوالدين لعدم قدرتهما على تلبية احتياجاتهم الأساسيّة، ما يؤدّي بدوره إلى زيادة التوتّرات داخل العائلات. وأصبحت العلاقات التقليدية بين الطفل ووالديه، مع تزايد إرسال الأطفال إلى العمل وبطالة الأهل المتمادية، في خطر. العلاقات التقليدية بين الجهتين أصبحت هشّة ومعرّضة للدمار".
أصخرة أنت؟