أشقاء فلسطين الحقيقيون
بأسرع من المتوقع، نفّذ وزير الأمن في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، عملية اقتحام المسجد الأقصى، بعد ساعات من بدء ممارسته منصبه الجديد، لتكون المرّة الأولى التي يعتدي فيها على أهم المقدسات الإسلامية وزيرًا، لا قائدًا لقطيع من المتطرّفين الصهاينة.
أراد بن غفير، منذ اللحظة الأولى، أن يظهر للعرب والفلسطينيين العين الحمراء في الوجه القبيح، ليختبر مدى قدرتهم على الرد وحدود هذا الرد، على هذا التصعيد غير المسبوق في سياسات الاحتلال، التي باتت ترفض وصفها بالاحتلال، بل وتعدّ الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين وضعًا غير طبيعي.
فعلها بن غفير، وفي الذهن تصريحاتٌ قديمة لقيادات المقاومة الفلسطينية عند اقتحام الأقصى في العام الماضي، تبرّر بها عدم اللجوء إلى الردع بالقوة المسلحة، في ذلك الوقت، بأنها توفّر ذلك لأيام مقبلة، سيصعّد فيها اليمين الصهيوني من اعتداءاته، وساعتها سيكون الرد.
فعلها الصهيوني، وهو يحفظ عن ظهر قلب مفردات بيانات العرب الرسمية في حالاتٍ كهذه: تصعيد خطير .. تصرف غير مقبول لا يخدم السلام .. استنكار إدانة انزعاج .. ثم لا شيء، فكل أشكال التعاون الرسمي العربي مع الاحتلال مستمرّة بالوتيرة ذاتها، الغاز آمنٌ في حقوله وأنابيبه، والصفقات التجارية تمضي على قدم وساق، والتعاون العسكري، ثنائيًا بصفقات التسليح، أو تحت مظلّة عمليات القيادة الوسطى (المركزية) الأميركية في الشرق الأوسط، لتكون زميلةً لكل من (الكويت، السعودية، قطر، سلطنة عُمان، البحرين، الإمارات)، والعراق، وسورية، والأردن، ولبنان، ومصر، وإيران، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وباكستان، وأوزبكستان، وذلك بقرار أميركي نفذه بايدن بعد أن ورثه عن إدارة ترامب. كانت أوضح تطبيقات هذا القرار مناورات عسكرية بحرية مشتركة بين 11 دولة عربية وتركيا والكيان الصهيوني.
القول إن العرب لا يملكون سوى بيانات التنديد والإدانة فيه كثير من الدجل السياسي الذي يروّجه النظام الرسمي العربي، لتبرير استمرار صمته المتواطئ أمام العربدة الصهيونية التي لا تتوقف.
في ردّات الفعل، استدعى الأردن السفير الصهيوني للاحتجاج، فقط استدعاء، بمواجهة عملية الاقتحام الإسرائيلية الرسمية للمسجد الأقصى، بينما كان من الممكن، مثلًا وفي حدود اللغة الدبلوماسية، إبلاغ سفير الاحتلال بأن وجودَه غير مرغوب فيه، أو على الأقل فيه خطورة أمنية بالنظر إلى الغضب الشعبي المشتعل في الصدور، وهو الإجراء المتاح أن تقوم به مجموعة أنظمة التطبيع في مصر والمغرب والخليج، أو تسحب سفراءها من الكيان الصهيوني، أو على الأقل تستدعيهم للتشاور، بغية إيصال رسالةٍ تحمل الحدّ الأدنى لمعنى الكرامة بأن رد الفعل ينبغي أن يأتي بحجم الفعل نفسه.
أتخيل لو أن أحزابًا أو نقابات في دولة عربية دعت أعضاءها إلى تظاهرة احتجاجية على انتهاك المسجد الأقصى، فماذا سيكون موقف حكومة هذه الدولة؟ .. في الظروف الاعتيادية، قبل بزوغ شمس الربيع العربي، كانت الحكومات تتعاطى مع هذا النوع من الغضب الشعبي بكثير من التسامح الاستثماري، فمن ناحيةٍ تستغله نوعًا من تنفيس الاحتقان، ومن الناحية الأخرى تجمّل به وجهها ولو لدقائق، أو تطلب به ثمنًا أكبر للتطبيع.
أما في ذروة الربيع العربي، فكان الشعب قادرًا على أن يفرض على حكوماته طرد سفير العدو وإغلاق السفارة، وسحب سفير هذه الدولة العربية، لكننا الآن، وبما أننا في مرحلة قتل الربيع العربي لإحياء الربيع الصهيوني، فإن شيئًا من ذلك كله لم يعُد متاحًا أو مسموحًا به.
كما أن أيًا من هذه الأنظمة لا يملك الاستعداد لإلغاء أو إرجاء صفقة غاز واحدة، فما بالك بالتلويح بمقاطعة دبلوماسية أو ذهاب إلى مجلس الأمن للمطالبة بقرارٍ رادع للاحتلال، الذي هو، في نظر عرب التطبيع، لم يعد احتلالًا، بل جارًا وصديقًا وشريكًا، وأخًا لبعضهم، مثل الإمارات والبحرين، في الدين الإبراهيمي الجديد.
ما العمل، إذن، أيها الفلسطيني الذي ينظر حوله فلا يجد عند العرب سوى قصاصات بيانات مجففة؟ .. مجددًا، في هذا الوضع البائس، من المهم أن يدرك المقاوم الفلسطيني أن أشقاءه الحقيقيين هم الحجر والبندقية والحكاية، وما دون ذلك هم والعدم سواء .. بل هم والعدو شركاء.