أسبوع من الألغاز في الأردن
تأثّرت صورة الأردن إلى حد مقلق خلال الأسبوع الماضي، نتيجة الأحداث التي شهدها، وقد اتسمت ردود الفعل الأولية الخارجية بالمفاجأة مما جرى، وبخاصة داخل العائلة الملكية التي ظلت صورتها متماسكة إلى حد بعيد، فإذ بأحداث الأسبوع الأول من إبريل/ نيسان تُظهر أن الأمر ليس على هذا النحو، وذلك مع تقييد الحركة، والتحفظ الذي تم على الأمير حمزة، الأخ غير الشقيق للملك عبد الله الثاني، وولي العهد السابق، وتوجيه اتهاماتٍ له. ومع اعتقال أحد الأشراف غير المعروفين، حسن بن زيد، وهو حفيد لرئيس وزراء أسبق هو الشريف حسين بن ناصر الذي ترأس حكومة في البلاد عام 1963 نحو أربع سنوات. والشاب المعتقل كان يقيم في العربية السعودية، ويحمل جنسيتها، وغير معروف للأردنيين الذين يعرفون شقيقاً له، هو النقيب علي بن زيد الذي قتل في أفغانستان عام 2010. ولم تغب عن المشهد الملكة نور، أرملة الملك الراحل الحسين بن طلال وأم الأمير حمزة، والمقيمة في الولايات المتحدة، وتتردّد على الأردن في فترات متباعدة، ونعتت، في تغريدة لها، الإجراءات بحق ابنها الأمير بأنها "بهتان عظيم" (بالإنكليزية).
صورة المصالحة داخل العائلة الهاشمية لم تتضح بصورة كافية، على الرغم من حديث الملك عن الأمير حمزة الموجود "مع عائلته في قصره وبرعايتي"
ولئن كان ذلك هو الجزء الأبرز من المشهد، إلا أن هناك جوانب أخرى لا تقل أهمية، وتتمثل في حملة الاعتقالات التي طاولت أساساً رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله، والذي يحمل الجنسيتين السعودية والأردنية، والمقرّب من دوائر الحكم في الرياض، وتوجيه اتهام معلن له بالمساهمة ببيع أراضٍ لليهود في القدس، من خلال علاقته بجمعيةٍ محليةٍ هناك، إضافة إلى روابط بينه وبين الأمير حمزة حسب الاتهامات الرسمية. وطاولت الاعتقالات عاملين في قصر الأمير ومكتبه، وهم ينتمون لعائلات كبيرة، منها الفايز والمجالي. وقد لوحظ انتشار فيديوهات لمسيراتٍ متفرقة في مناطق في جنوب الأردن قرب مدينة الكرك، إثر هذه الاعتقالات. وتضاف إلى ما سبق اتهاماتٌ بالتواصل مع ما باتت تسمّى المعارضة الخارجية، والمقصود بها ناشطون في أميركا وأوروبا، يبثون بانتظام فيديوهاتٍ عن أحوال البلاد، وعددهم أقل من عشرة أشخاص، لكن ما يبثونه يثير ضجيجاً كبيراً بين الأردنيين الذين لا يجدون في الإعلام الرسمي ما يجيب عن أسئلتهم.
وتتبدّى أوجه التأثر السلبي في ما وصفته صحف أميركية بـ"التسامح المحدود مع المعارضة"، إذ عُرف عن الأمير حمزة ملاحظاته الانتقادية على الأحوال العامة، والتي يبثها مباشرةً لمجالسيه والمستمعين إليه في مضارب العشائر خلال زياراته التي كان يقوم بها في مناسبات اجتماعية. وقد اعتبرت السلطات هذه الانتقادات بمنزلة التحريض على الحكم، غير أن التساؤل الذي شاع إثر ذلك أنه إذا كان الصدر لا يتسع لقبول حق التعبير لدى أمير هاشمي، فكيف سيكون الحال مع عامّة الناس؟ وهو تساؤلٌ يجد إجابة له في سلوك السلطات التي تتسامح مع، أو تغضّ النظر عن مئات، وربما آلاف من الأصوات، على مواقع التواصل ممن يوجّهون انتقاداتٍ شتى، غير أن انتقاداتٍ تصدر عن أمير يكون لها مفعول مختلف، وذات أثر مغاير على أفهام الناس ومشاعرهم. وهو ما يمكن الرد عليه بأن الأمير هو مواطن أولاً، ولا يعقل أن تُسلب حقوقه في التعبير بصفته مواطناً وأميراً معاً!
يجب أن تعمد السلطات إلى استخلاص الدروس الصحيحة مما حدث، وخصوصاً على صعيد العلاقة مع الجمهور، وحقه في حرية التعبير، كما بحياة كريمة
من الأوجه الأخرى التي أضعفت صورة الأردن إخفاق السلطات في تقديم رواية متماسكة عما جرى، إلى درجة أن ما جرى بقي بلا صفة أو عنوان. باستثناء مسميات مثل "التحرّكات" أو "المخططات". وقد غاب الإعلام الرسمي عن تقديم صورة واضحة لما حدث. وكان لافتاً أن المصدر الأول للأنباء كان رئاسة أركان الجيش، والثاني مؤتمر صحافي عقده وزير الخارجية أيمن الصفدي، وليس وزير الإعلام الذي حضر المناسبة في صفوف الصحافيين والمراسلين، وليس إلى جانب زميله الوزير في الحكومة الذي يعقد المؤتمر الصحافي. وقد أزال مؤتمر الصفدي القليل من الغموض، وأبقى على الكثير منه، وخصوصاً بما يتعلق بالأطراف الخارجية التي ظلت مجهولة الهوية والصفة، ما أثار انطباعاً قوياً بأن الإعلام الرسمي وغير الرسمي لا يتمتع بالشفافية المأمولة، وأن ثلاثة عقود من التحول نحو الحياة الديمقراطية لم تؤد بعد إلى نضج الإعلام. والراجح أن صورة الأردن في الخارج كانت أفضل مما ظهرت عليه في الأسبوع الأول من إبريل/ نيسان الجاري.
وبينما يبدي الأردن اهتماماً فائقاً بعلاقاته مع الولايات المتحدة ومؤسساتها، وتدل على ذلك زيارات الملك الدورية ومخاطباته الكونغرس ولقاءته مع منابر إعلامية شتى، فإن الصحافة الأميركية كانت في طليعةٍ أبدت تحفظات وتشككات في الرواية الرسمية، فقد أوحت الرواية الرسمية بأن أمراً جللاً كان قد أوشك على الوقوع، لكن السلطات الأمنية حالت دون وقوعه، من غير توضيح ماهية هذا الأمر، علماً أنه كان يمكن، من البداية، أن تنعت السلطات ما جرى، ومن منظورها، على أنه "حملة تحريض متصاعدة" مثلاً، وذلك بدلاً من الإفراط في رسم الإيحاءات المبهمة.
أضعف صورة الأردن إخفاق السلطات في تقديم رواية متماسكة عما جرى في قضية الأمير حمزة
من حسن الطالع والتدبير أن للأردن رصيداً كبيراً من الأهمية والاحترام لدى دول المنطقة والعالم، وهو ما عكسته اتصالات قادة دول عديدة مع الملك عبد الله الثاني، وبيانات لحكوماتها، تدور حول التضامن التام مع الأردن، والوقوف إلى جانبه في مواجهة التحديات. ولو لم يتوفر مثل هذا الرصيد لتأثرت صورة الأردن بصورة أكبر، وذلك بعد خلاصاتٍ خرجت بها الصحافة الأميركية تتحدّث عن تكميم المعارضة، والضيق من النقد، والخشية من إذكاء السخط الشعبي على الأوضاع الاقتصادية، وعلى أداء الإدارة العامة. أما مجلس النواب فقد غاب عن مجريات ما حدث، ولم تخاطب الحكومة ممثلي الشعب بشيءٍ عما جرى، ما جعله أسبوعاً من الألغاز.
يضاف إلى ما تقدّم أن صورة المصالحة داخل العائلة الهاشمية لم تتضح بصورة كافية، على الرغم من حديث الملك عن الأمير حمزة الموجود "مع عائلته في قصره وبرعايتي". إذ لم تظهر حتى تاريخه صور للأمير في قصره. ولا في اجتماع الأمراء في منزل الأمير الحسن، ولا خصوصاً مع شقيقه الأكبر ملك البلاد .. غير أن الأمر الأدعى للطمأنينة أن كل شيء بقي على حاله، وأن البلاد لم تتعرّض حقاً إلى هزَة أو خضّة، بل إلى إجراءات دراماتيكية مقلقة، لا مفر من إنهاء ذيولها بصورة عادلة. وبقي أن تعمد السلطات إلى استخلاص الدروس الصحيحة مما حدث، وخصوصاً على صعيد العلاقة مع الجمهور، وحقه في حرية التعبير، كما بحياة كريمة.