أسئلة ممدوح حمزة: العائد من الوهم
وأنت تنصب المشانق، قبل أن تصدر أحكامك بالإدانة ضد المهندس ممدوح حمزة الذي غسل يديه من خطأ أو خطيئة 30 يونيو/حزيران 2013، ينبغي أن تفكّر في إجابات موضوعية لمجموعة من الأسئلة:
أول سؤال يتبادر إلى الذهن: لماذا اختار حمزة، وهو أحد صنّاع مأساة يونيو، هذا التوقيت، قبل شهر من ذكرى ثورة 25 يناير العظيمة، لإعلان القطيعة مع ثورة مضادّة ومآلاتها الانقلابية، والتبرّؤ مما كان والاعتذار أمام الله؟.
هذا سؤال أساس تتفرع عنه أسئلة أخرى: هل ثمّة مكاسب أو أرباح يمكن أن يحصل عليها صاحب هذا الاعتذار المدوّي؟ وهل سيفيد هذا الاعتذار ما يطلق عليه "المعسكر المناهض للانقلاب العسكري" في شيء؟
الشاهد أن هذه الخطوة المفاجئة تأتي في توقيتٍ تعيش فيه سلطة الانقلاب في مصر أفضل فتراتها على المستويين، الإقليمي والدولي، إذ باتت العلاقة حميميةً للغاية بينها وبين الأطراف التي كانت هذه السلطة تخاصمها وتستخدمها في تسويق أوهام المؤامرة الكونية على مصر، وهذه الحميمية تتخذ أشكالًا متنوّعة من الدعمين، السياسي والاقتصادي، حتى وصلنا إلى لحظةٍ يتمنع فيها النظام المصري أمام هرولة الطرف التركي، وهو محور صناعة وهم المؤامرة على مصر، سعيًا إلى التصالح مع النظام الحاكم فيها.
والحال كذلك، فإن ما يسمّى المعسكر الثوري المناهض للانقلاب يعيش أكثر لحظاته بؤسًا، بل أنك لا تبالغ لو قلت إنه لم يعد هناك معسكر بهذه المواصفات من الأساس، يستطيع أن ينتج خطابًا يحرّك جماهير أو يجترح حالة ثورية، وبالتالي، لا يمكن بأي حال اعتبار تحوّل حمزة إلى المعارضة الصريحة للنظام نوعًا من الانتقال المدروس إلى الكفّة الراجحة أو الرابحة.
هذا يعني، مباشرًة، أننا بصدد حالة مراجعةٍ للذات، أحسبها صادقة، في لحظةٍ انقشعت فيها كل غيوم الوهم المتراكمة على مدى عشر سنوات، هي عمر الانقلاب الذي حملته خطيئة 30 يونيو (2013) على ظهرها، وبان لكل صاحب عقلٍ أن كل هذه الكوارث الاقتصادية والمآسي الاجتماعية التي تتردّى فيها البلاد الآن هي حصاد هذه الخطيئة، أو كما أسميتها النزوة الثورية التي تحدّث عن مثيلتها كارل ماركس قبل ثلاثة قرون، وهو يصف لحظة انتصار الثورة المضادّة في فرنسا بالقول "ولا يكفي القول، كما يفعل الفرنسيون، إن أمتهم قد أُخذت على حين غرّة، فإن الأمة والمرأة لا تغتفر لهما تلك اللحظة التي تفقدان فيها الحذر، ويتمكّن أول مغامر يمر بهما من أن ينتهكهما".
ما أعلنه ممدوح حمزة يستحق الترحيب والشكر، ذلك أنه بمثابة أكثر المواقف شجاعًة وحسمًا في إظهار التناقض المنطقي الفادح الذي خدعت به النخب السياسية الجماهير، والذي يزعم صلة قرابة فكرية وروحية بين ثورة يناير 2011 وانقلاب يونيو 2013، وهو التناقض الذي قلت عنه، غير مرّة، إن صيغة 25 - 30 بذاتها تصلح عنوانا للعبث السياسي، والتدليس الثوري، ذلك أن أصحابها لا يزالون متشبثين بذلك الوهم الذي اشترته مصر بأثمانٍ باهظة من الدماء والحريات والوزن الحضاري، والذي يتأسّس على المزاوجة الحرام بين ثورة يناير 2011 والانقلاب الذي ولد في يونيو/ حزيران 2013، وهي الكذبة التي تورّط فيها الجميع، ووضعوا فيها كل أرصدتهم السابقة للاستثمار والربح السريع. والنتيجة أن كل الأرباح والعوائد والفوائد آلت إلى شخص واحد، هو عبد الفتاح السيسي، يوزّع منها، بمقدار، على الأقربين من مليشيا تحكم مصر بالحديد والنار.
وكان هذا الطرح حين يقال في السنوات الماضية يجد هجومًا شديدًا من باعة الوهم السياسي، بزعم إن من شأنه أن يهدّد فرص صناعة الاصطفاف، وبالتالي، لا يجب إدانة مهزلة يونيو 2013.
من هنا، تأتي القيمة الهائلة لشهادة ممدوح حمزة التي أعلنها بشجاعة، فيما هناك آلافٌ مثله توصلوا إلى القناعة ذاتها لكنهم يكتمونها، إلى حين امتلاك مثل هذه الشجاعة.