أدونيس ... ما هذا البؤس؟

22 مايو 2014

أدونيس في غرانادا بإسبانيا (مايو 2012 أ.ف.ب)

+ الخط -

أَما وأن المعارضة السورية تستحق النقد الغزير الذي تُرمى به، وأن مؤاخذتها مطلوبة، وكذا (شرشحتها) ربما، فذلك شيء، ومساواتها بالنظام في دمشق شيء آخر. لم يجد أدونيس شططاً أو غلواً في اقترافه هذا الأمر، الأسبوع الجاري، لمّا قال لوكالة الأنباء الفرنسية إن "مشكلة تغيير النظام في سورية ثانوية، فيما المشكلة الجذرية التي نحتاج حلها تغيير المجتمع، وإذا كانت هناك قوى ثورية عليها تغيير المجتمع، وليس الأنظمة". قارئ هذا الكلام يستهجن صدوره من مثقف عربي كبير، ليس فقط لأنه يوحي بأن المطلوب استبدال المجتمع السوري بآخر، لحل مشكلة سورية التي يحكمها نظامٌ بغاز السارين والبراميل المتفجرة والصواريخ على المخابز والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس.
تُرى، ما المعادلة التي يقترحها أدونيس لتغيير مجتمعاتنا العربية، والتي لا نختلف معه في أن مشكلات بنيوية وعميقة فيها، غير أن التسليم بهذه الحقيقة لا يعني انتظار حل تلك المشكلات، وأن نتعالى على شعوبنا بفوقية وعظية، ونراها غير صالحة للتمرن على الديموقراطية ومسالكها، وموبوءة، طالما أنها تنتخب إسلاميين للبرلمانات والرئاسات، إذا ما اختبرت علاقة غضّةً مع صناديق الاقتراع.
يبدو أدونيس مصاباً برهابٍ حاد تجاه الدين، يراه مشكلةَ المجتمعات العربية. ومع الاتفاق معه في الإلحاح على الفصل بين الديني والسياسي في تسيير الشأن العام، إلا أن اللت والعجن في هذا الأمر يصير فعلاً موارباً وسياحياً، فيما الشعب السوري يتعرض لفظائع إبادة وتهجير، وفيما شعوب عربية أخرى تكسر الخوف من سلطات الاستبداد التي تحكمها، ويليق أن نستقبل انتفاضاتها بتقدير، وإن بنقد عند الضرورة غير استشراقي، كالذي يحترفه أدونيس، عندما يتعامى عن احتلال أجهزة الأمن الغاشمة في سورية المجال العام، فلم ير، في غضون الرصاص الكثير على المتظاهرين السلميين هناك، سوى خروجهم من المساجد.
كان ذلك بعد ثلاثة شهور على بدء ثورة جسورة اجترحها السوريون، وفاجأونا وأذهلونا، غير أن أدونيس استكثر عليهم نزراً من احتفاء، وبدل أن يخاطبهم، ظهيراً ثقافياً لهم، خاطب بشار الأسد، باعتباره رئيساً منتخباً، وأوكل إليه نقل سورية إلى الديمقراطية. ظننا أن الشاعر الكبير سيحدّق، لاحقاً، في المحرقة السورية بعيونٍ أكثر تبصراً، لكنه بادر إلى ذلك باتجاه المجموعات التكفيرية إياها، ومارس ما أسماه عبد الله الغذامي، في نقده أدونيس نفسه، "العمى الثقافي" الذي لا يفرّق بين الزرقاوي والغنوشي، ولا يلحظ محدلة التمويت التي لا يريد نظام الأسد وقفها.
سبق صاحب المديح الوفير لثورة الخميني الإيرانية عبد الفتاح السيسي وخليفة حفتر (مثلا) في نعت "الإخوان المسلمين" بالفاشية، في حديثه عنهم، قبل عامين، لجريدة سويسرية. وهذه ليست مسألتنا هنا، بل التناقض المخيف لديه، في تشديده في ذلك الحديث، على الديموقراطية، وهذه، في أبسط دلالاتها بحسبه، اعترافٌ بالمختلف والآخر في المجتمع، فيما لا يرى الإسلاميين آخرين ومختلفين. وكان يمكن التسامح مع وجهة النظر الإقصائية القاصرة هذه، لو أن أدونيس محض بني جلدته السوريين كلمةً طيبة، أقله لمّا كانوا يواجهون رصاص عائلة الأسد بفدائية استثنائية، في مظاهرة نصف مليون في حماة مثلاً، ولو لم يضنّ عليهم بمفردةٍ مما أغدقه على متظاهري 30 يونيو/حزيران في مصر، ضد محمد مرسي، (الرئيس المنتخب على غير حال الأسد).
رأى أدونيس ذلك المساء القاهري "مفصلاً تاريخياً"، و"نهاية للممارسة السياسية في مصر منذ نهاية الخلافة العثمانية"، وفيه "للمرة الأولى في التاريخ العربي، وربما في تاريخ العالم، يتجسد على الأرض عمليا وميدانياً" وعي بالتغيير، يصدر عن "موقف فكري وسياسي بالغ الوضوح والدقة". وإذ من حق صاحبنا تلك الغبطة التي اجتاحته ذلك النهار، كان متوقعاً أن يستنكر بعض القتل الكثير والانتهاك الوفير لحقوق مصريين في الحياة والحرية، مما صار في مصر تالياً. تُرى، هل تغيّر المجتمع المصري مساء ذلك اليوم، وحلت مشكلته، فصارت ثانويةً مشكلة تغييره النظام؟ لكن، لماذا عندما خرج السوريون في مظاهرات غضبٍ بالغة الحضارية، فقوبلوا بالرصاص، كان مطلوباً منهم أن يتغيّروا، قبل أن يطالبوا بحل مشكلة مكوث آل الأسد في الحكم أزيد من أربعة عقود؟
كأن أدونيس يصرّ على أن يفعل بنفسه ما لا نحبه له من بؤس. لو يطلب من العائلة الحاكمة في بلده أن تفصل بينها وبين السلطة والدولة. لو ينفي مساواته المعارضة السورية مع سلطة هذه العائلة.  
 

 

 

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.