أثمان مخفيّة لحرب إسرائيل على غزّة
تترتّب على استمرار حرب الإبادة ضد قطاع غزّة بعض الأثمان التي تدفعها إسرائيل، وتوصف بأنها مخفيّة أو غير منظورة بما فيه الكفاية، وتشير إليها تقارير وتحليلات داخلية تتّسم بقدرٍ من الخروج من شرنقة الرؤية الضيقة وبالتقاط بعض الجوهري.
ونتوقّف عند ثمنين منها. أولا، لأول مرّة تخوض إسرائيل حربًا طويلة الأمد، خلافاً لمبدأ أساسي في عقيدتها الأمنية، مؤدّاه أنه يتعيّن على حروبها أن تكون قصيرة قدر الإمكان. وبموجب ما يؤكّده أكثر من باحث إسرائيلي في الشؤون العسكرية، اعتمد هذا المبدأ رئيس الحكومة الأول ديفيد بن غوريون بسبب العامل الديموغرافي. وقد نقل عن بن غوريون قوله إنه، في وقتٍ يعيش فيه مئات الملايين من الناس في الدول المحيطة بإسرائيل "مع حساسية دنيا لحياة البشر"، فإن الجيش الإسرائيلي مضطر إلى أن يؤسس جوهر قوته على تشكيلات الاحتياط. وبناء على ذلك، أيُّ حربٍ طويلةٍ ومتواصلةٍ تعدّ إشكاليّة بالنسبة إلى إسرائيل، لأنها تلحق أضرارًا حتميّة بالاقتصاد، وتتسبّب بتآكل الرغبة في القتال في صفوف قوات الجيش قليل العدد.
وقد كتب الكثير في إسرائيل عن النقص الشديد في القوات المقاتلة في الجيش الإسرائيلي على خلفية الخسائر البشرية الفادحة التي مُني بها وعدد الجرحى الكبير، حيث تفيد إحصائية أخيراً بأن هناك أكثر من عشرة آلاف مشوّه حرب جديد في صفوف الجيش منذ 7 أكتوبر (2023).
ووفقًا للمحلل العسكري للصحيفة اليمينية، مكور ريشون، عمير ربابورت (11/7/2024)، ثمّة تآكل آخذ بالتصاعد في صفوف الجيش الإسرائيلي في ما يتعلق بالرغبة في القتال، وهو ينطوي على تداعيات كثيرة، منها انخفاض جهوزية كثيرين من القادة والضباط لاستمرار الخدمة في الجيش النظامي تحت وطأة النشاط العملياتي الذي لا تبدو أي نهاية له في الأفق. وفي ضوء ما يصفها بأنها أزمة تنظيمية داخل الجيش تتعلق أساساً بتجنيد المقاتلين، وبرأيه، تتسبّب هذه الأزمة بدفع قادة عسكريين عديدين إلى تقديم طلبات إعفائهم من مناصبهم في أقرب فرصة ممكنة، وقد ازدادت مثل هذه الطلبات في الآونة الأخيرة مثلاً في شعبة القوى البشرية.
ثانيا، الثمن الثاني مرتبط بالمزاج العام في إسرائيل، كما ينعكس في استطلاعات الرأي العام، سيّما الدورية التي تجريها معاهد الأبحاث، ولا تحظى بعناوين بارزة في وسائل الإعلام على غرار استطلاعات الانتخابات. ومن هذه الاستطلاعات "مؤشّر التفاؤل" الذي يجريه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، حيث أظهر الشهر الماضي (يونيو/ حزيران) أن أقل من 30% من الإسرائيليين فقط متفائلون حيال أوضاع الأمن والديمقراطية في البلد. وبحسب معدّة الاستطلاع، البروفيسور تمار هرمان، هذه النسبة هي الأكثر انخفاضاً منذ بدء إعداد هذا المؤشّر عام 2018. وكانت نسبة المتفائلين في نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت نحو 65%. وفي ذلك الوقت، أعربوا عن يقينهم بأن الحرب ستنتهي سريعاً بتحقيق إسرائيل الانتصار المطلق.
كما أظهرت استطلاعات أخرى أجراها كل من المعهد الإسرائيلي للديمقراطية ومعهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب أن 60% - 70% من الإسرائيليين يشعرون بمستوى من الأمن والأمان يتراوح بين المتوسط وأدنى من ذلك. وفي استطلاع أجراه معهد أغام، برئاسة السيكولوجي السياسي، نمرود نير، من الجامعة العبرية بالقدس في نهاية مايو/ أيار الماضي، تبيّن أن 10% من اليهود الإسرائيليين يدرسون الهجرة من إسرائيل إثر الحرب، وأن 15% من الإسرائيليين يرغبون بالهجرة، ولكن ليس في وسعهم تنفيذ رغبتهم.
في ما يخص الموقف العام من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أظهرت استطلاعات "مركز أكورد" في الجامعة العبرية أن 23% من الإسرائيليين طالبوا في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول باستقالته فوراً، في حين قال 49% إن عليه تقديم استقالته فور انتهاء الحرب. ولكن 42%، في استطلاع المركز في مايو/ ايار الماضي، طالبوه باستقالته حالاً، وانخفضت نسبة المطالبين باستقالته فور انتهاء الحرب إلى 34%.