"خلي بالك من زيزي" وسحر الواقع
حقق مسلسل "خلي بالك من زيزي"، من إخراج كريم الشناوي، نجاحا كبيرا، وسجل نسب مشاهدة عالية في الموسم الرمضاني المنصرم، بحسب إحصائيات واستفتاءات أجمع المشاركون فيها على أن ما يميز العمل هو واقعيته الشديدة. يستحق هذا المسلسل الاجتماعي المختلف الانتباه إليه، لإقدامه على طرح مواضيع جديدة لم يسبق معالجتها في الدراما العربية، مثل "اضطراب الانتباه مع فرط النشاط" الذي كانت تعاني منه بطلة المسلسل، زيزي. أدّت الدور الممثلة القديرة أمينة خليل التي أثبتت موهبتها الكبيرة من خلال قدرتها على تقمّص الشخصية، وتقديمها للمتلقي بحرفيةٍ عالية. وتعد أمينة خليل من أهم ممثلاث جيلها وأكثرهن براعة. تتميز في أدوارها بالأداء العفوي والمظهر الطبيعي الذي لم تُفسده التدخلات الجراحية، فظلت محتفظةً بأنفها الكبير الذي قد يراه بعضهم عيبا جسيما، من شأنه التقليل من فرص حصولها على أدوار الفتاة المحبوبة، غير أنها أثبتت بطلان هذه النظرية، فطغت موهبتها وقوة حضورها وجاذبية شخصيتها على أي اعتباراتٍ متعلقةٍ بالمقاييس الجمالية الشائعة، وأطلّ وجهها نضرا طبيعيا متحرّرا من عمليات النفخ والحقن. كذلك فعل شريكها في البطولة الممثل المبدع محمد ممدوح، فقد كسر شرط الوسامة والقوام الممشوق المطلوب توفره في الفتى الأول في الأعمال الدرامية العربية، فهو يفتقر إلى أيٍّ من مواصفات الشاب الوسيم الجذّاب الذي تعشقه كل النساء، شأن النجوم في المسلسلات اللبنانية والسورية، تشاركهن في العادة ممثلات هن في الأصل ملكات جمال خاضعات لعمليات تجميل كثيرة، ما يفقد تلك الأعمال مصداقيتها وقدرتها على تصوير الواقع.
يقدّم ممدوح في "خلي بالك من زيزي" شخصية المحامي مراد، شخصية واقعية قد تصادفها في أي مكان. مراد مكتنز الجسد متواضع الجمال، محام متخصص في قضايا الأحوال الشخصية. يتم التعارف بينهما، حين تلجأ إليه زيزي في قضية الطلاق من زوجها. وضمن نصٍّ محكم، مشغول بعناية، ومستندٍ بشكل ملموس على معلوماتٍ طبيةٍ وصحيةٍ وقانونيةٍ دقيقة. طرح المسلسل قضايا اجتماعية ونفسية وصحية وعاطفية وأسرية تثير اهتمام (وتفاعل) المتلقي الذي سوف يحسّ بأن العمل يحترم ذائقته، ويطرح همومه، من دون افتعال أو مبالغة. تناول العمل أسباب فشل العلاقات الزوجية، وتعقيدات العلاقة بين الطفل وذويه، وتأثيرات مرحلة الطفولة على التكوين النفسي للإنسان. واقترح، في الوقت نفسه، حلولا للمشكلات الصحية والنفسية، مستمدّة من أبحاث علمية متخصصة، مركّزاً على اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، من خلال مشاركة الممثلة الطفلة ريم عبد القادر في شخصية تيتو، المصابة باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، نموذجا عن أمراض العصر النفسية الجديدة على ثقافتنا، والتي يعاني منها أطفالٌ كثيرون من دون إدراكٍ من ذويهم جدية المشكلة وإمكانية التخفيف من آثارها، في حال تم معالجتها.
ويفرد المسلسل حيزا لقصص حب جميلة غير تقليدية، تعتريها عقباتٌ سرعان ما تتلاشى، مبشّرا بقدرة الحب على تذليل الصعوبات، وتجميل الحياة بألوان الفرح والأمل بالغد، ويدعو إلى قيم جميلة، مثل التسامح والمثابرة والتحدّي والطموح. استطاع المخرج إدخال السعادة إلى قلوب متابعي العمل، من خلال النهاية الذكية والمتوازنة التي لم تغادر منطقة الواقعية، فتنوعت النهايات بين من تفارق ومن تقارب، متجاوزا أحزان الماضي. وأبقى الباب مواربا لجزءٍ ثان، أرى أن العمل يحتمله، من خلال متابعة حياة الزوج الأول. أدّى الدور ببراعة الممثل علي قاسم الذي تقبّل الخسارة، وبدأ في خطواتٍ عملية لتحسين حياته. وكذلك تحتمل مغامرة زيزي في مهنتها الجديدة معالجة للأطفال المصابين بفرط الحركة، مزيدا من التفاصيل التوعوية في هذا المجال.
"خلي بالك من زيزي" مسلسل عربي فائق التميز، يحقق للمتلقي المتعة والفائدة في آن. ويصلح لمتابعة من كل أفراد العائلة، لخلوّه من العنف والبذاءة والفجاجة التي باتت عنوانا لأعمالٍ درامية عربية كثيرة.