"الأوقاف" المصرية التي تمنع الاعتكاف
أعلنت وزارة الأوقاف المصرية منع الاعتكاف في مساجد البلاد؛ ذلك التقليد السنوي المعتاد لدى المصريين ومعظم مسلمي العالم في العشر الأواخر من شهر رمضان. ولم يتحرّج الوزير مختار جمعة من استفزاز المصريين، والسخرية من شعيرة الاعتكاف بمقولة إن "المسجد ليس فندقاً"، كأن المعتكفين يذهبون إلى المساجد للترفيه وليس للتعبّد. وهي سقطة جديدة، لكنها غير مفاجئة من وزير طالما استفزّ مشاعر مسلمي مصر. رغم أنه الوزير المعني بالقيام على الجوانب المؤسّسية والإدارية لمتطلبات العبادة وتهيئة الأجواء الملائمة لممارسة المسلمين الشعائر الدينية، فهو ليس وزير مالية همّه توفير النفقات العامة، ولا هو مسؤول عن الأمن الجنائي أو السياسي ليتقمّص دور المحارب ضد الإرهاب. هو أيضاً ليس وزير الصحة المسؤول عن مكافحة كورونا وتأمين إجراءات التباعد والسلامة لكل مواطن مصري.
وبغض النظر عن غياب الكياسة في تصرّفاته وافتقاده اللباقة في مخاطبة المصريين، للوزير جمعة سجل حافل بالقرارات المسيسة والإجراءات الأمنية أكثر منها دينية أو حتى تنظيمية. بدأها قبل سنوات بعدم فتح المساجد إلا في أوقات الصلاة. ثم توحيد خطب الجمعة وقصرها على موضوع واحد أسبوعياً، وبنصّ واحد تعدّه الوزارة وتعمّمه على مساجد مصر كافة.
وبعدها قرّر جمعة منع رفع أذان الفجر عبر الميكروفونات، ثم منع الميكروفونات تماماً خلال تأدية الصلاة، بحجّة عدم إزعاج النائمين فجراً، وهو ما دفع المصريين إلى التساؤل عن أجراس الكنائس في قداس الأحد. وفي أثناء ذروة تفشّي فيروس كوفيد -19 وتطبيق إجراءات احترازية لمكافحة الجائحة، أغلق جمعة المساجد، ولم تُفتح أبوابها أمام المصلين أكثر من عام، رغم عودة قاعات الأفراح ودور المناسبات والأندية والمقاهي والكازينوهات والأماكن الترفيهية للعمل. بل ظلّ فتح المساجد مشروطاً حتى أشهر قليلة مضت باستمرار إغلاق دورات المياه وأماكن الوضوء، وكذلك الأماكن المخصّصة لصلاة السيدات. أي أن المساجد كانت حرفياً آخر الأماكن والمنشآت التي جرى رفع الإغلاق عنها. وهناك أمثلة أخرى كثيرة على ممارساتٍ وقراراتٍ لا غرض لها سوى التضييق على ممارسي العبادة والشعائر الإسلامية حصراً. وقبل شهر رمضان، قرّر جمعة إغلاق مسجد الحسين بحجّة عمل إصلاحات، غير أن القرار أثار غضباً واسعاً دفع جمعة أو من وراءه إلى التراجع عنه، بحجّة تأجيل الإصلاحات!
ومع بداية الشهر، قصر جمعة صلاة التراويح على دقائق محدّدة، ثم ها هو يمنع الاعتكاف في المساجد، حرصاً على التباعد المكاني واحترازاً من كورونا. وفي التوقيت نفسه، اتخذ قراراً بمنع صلاة العيد في الساحات المفتوحة وقصرها داخل المساجد، في خطوة مناقضة تماماً لمنطق التباعد المكاني. ولا حاجة إلى ذكر أن تلك القرارات كلها لا صلة لها بمنع الإزعاج المرتبط بالأذان، ولا ترشيد محتوى خطب الجمعة، ولا الحد من مخاطر كورونا، ولا الحفاظ على حوائط مسجد الحسين وسجّاده. وإن لم تكن هذه السلسلة من التضييقات والقرارات غير المبرّرة صادرة من الأجهزة الأمنية، فهي مزايدةٌ من الوزير المخلص للنظام.
وليس المقصود هنا شخص وزير الأوقاف. نعم ربما هو أكثر التزاماً أو تطوعاً، لكن نماذج ذلك النمط من الشخصيات كثيرة ومتوافرة. لذا فأي "مختار" غيره كان سيسير على الخط ذاته.
والحديث عن معاداة وزارة الأوقاف طقوس العبادة الظاهرة والجماعية لدى المصريين إنما بهدف كشف التناقض والدور المضاد الذي تباشره هذه الوزارة بكفاءة وإخلاص، عكس اختصاصها المفترض في تسهيل ممارسة العبادة والشعائر على المسلمين.