الدراما الغارقة!

01 يناير 2015
مسلسل "الإخوة" (العربي الجديد)
+ الخط -
تحت يافطة الجرأة والمقاربات الدرامية الواقعية، شهدت الدراما العربية خلال عام 2014، لا سيما في موسمها الرمضاني، مسلسلات تلعب على حدود المحرم والمحظور والعيب وغير اللائق دون احترام للخصوصية الرمضانية أو خصوصية المحتوى التلفزيوني المعني بالعائلة، فقامت حكاية المسلسلات السورية واللبنانية "لو"، و"صرخة روح"، و"خواتم" على الخيانة الزوجية وربما تبريرها. ولم تخل مسلسلات "سرايا عابدين"، و"سجن النساء"، و"دلع البنات"، و"ابن حلال"، و"كلام على ورق".. من مشاهد إيحائية وأحياناً ساخنة، وألفاظ خادشة للحياء، فيما افتتح عادل إمام دراماه العائلية المفترضة "صاحب السعادة" باستعراض ألبسة داخلية نسائية، في إيحاء واضح لليلة حمراء قضاها بطل العمل.

بعيداً عن الشهر الفضيل، شهدت الشاشة الصغيرة حالة استمرار لحالة استثمار نجاح الدراما التركية عربياً، وذلك عبر صياغة تجارب درامية مشابهة، معرّبة أو عربية، فكنا أمام مسلسلات أشبه بمنصات عرض للأزياء وللرشاقة وللحسناوات، بقصص غريبة عن مجتمعاتنا، دون نقاش جدي حقيقي عن مدى عكسها حقيقة واقع المجتمع العربي، ومدى تأثيرها... وقد تصدر تلك المسلسلات في عام 2014 مسلسل "الإخوة"، الذي قدم مقاربات درامية صادمة لعلاقات غير مشروعة يفترض أنها تدور في محيط عائلة واحدة، بمعالجات غريبة، وصلت إلى حد أن إحدى شخصيات العمل التي أنجبت من غير زوجها، وأوهمت هذا الأخير أنه ابنه، تتساءل ببراءة عند فضح أمرها عن الذنب الذي اقترفته حين يمتنع والد زوجها عن الكلام معها.

كثير مما عرض في تلك المسلسلات، كان نافراً مجتمعياً، وبدا مجانياً يمكن إغفاله في الصورة، نتساءل هنا: هل تصلح تلك المشاهد لأن تكون مادة لمسلسل تلفزيوني..؟ ألا يبدو ذلك تعدياً على خصوصية المشاهدة العائلية للتلفزيون، ولا سيما أن تلك المسلسلات تعرض في غالبية الفضائيات الغربية دون إشارة تحذير وتحديد للفئة العمرية الموجهة لها..؟!

خلال الموسم الرمضاني 2014 أيضاً كنا شهدنا مهزلة فنية عنوانها "تزييف التاريخ وتشويهه" كنتيجة مباشرة لارتهان الدراما العربية لأحكام سوق العرض، بدت في أوضح تجلياتها في دراما "سرايا عابدين"، حيث تلاعب المسلسل بتاريخ مرحلة حكم الخديوي إسماعيل على نحو خاص، وبتاريخ عائلة محمد علي في مصر على نحو عام، فغير وقائع وقفز فوق أخرى، وجاء بوقائع جديدة، وأغفل أبسط أدبيات النقل الدرامي عن التاريخ كوجود مراجعة تاريخية مختصة، فيما واصل المسلسل السوري "باب الحارة"، خلال الموسم ذاته، سلسلة مغالطاته التاريخية بحق واحدة من أغنى المراحل التاريخية التي شهدتها العاصمة السورية دمشق.

على هذا النحو بالغت الدراما العربية في عام 2014 بانغماسها في الروح التجارية، فبدت أقرب إلى "البزنس" وأبعد ما تكون عن الفن وأولوياته، وتغافلت عن دورها، بوصفها حاملاً اجتماعياً سريع الانتشار، وبالتالي أثره السلبي سيشبه انتشار الطاعون، ولا سيما أن الجمهور الذي يتلقى هذه الدراما متفاوت الثقافة والقدرة على التلقي والتحليل وبالتالي ردود الفعل.
دلالات
المساهمون