عن القطّ الإسرائيلي الذي طردني من العمل

10 اغسطس 2015
تعبيرية (getty)
+ الخط -


اعتبره أهل المخيم رجلاً قاسيَ القلب عديمَ المشاعر لأنّه كلّما لمح قطّة تتجوّل بين الأزقّة أو تنهش كيساً من القمامة يهرع نحوها فيضربها ويركلها أو يلقي نحوها بالحجارة فيما يروح يطلق سباباً بذيئاً من بين شفتيه.

قرّر وجهاء المخيم التوجه إليه ونصحه ووعظه، وحين وصلوا إلى مكانه حيث يجلس طيلة الوقت بلا عمل على كرسي خشبي مهترئ أمام بيته، وأخبروه بطلبهم، صاح فيهم: "القطط التي جئتم لتدافعوا عنها هي سبب من أسباب طردي من العمل والسبب في هذه الحالة من الفقر التي أعيشها".

وأخذ يروي على مسامعهم قصّته حين كان يعمل سائقاً ينقل العمّال من غزّة صباح الأحد من كلّ أسبوع إلى أماكن عملهم داخل مدن فلسطين المحتلة، وتحديدا إلى مدينة عكّا. وكيف كان يَهنَأ بالمال والعيش الرغد مع عياله الكثر، لأنّه كان يحظى بأجره مضاعفاً، وكان يقضي باقي أيّام الأسبوع عاملاً في مطعم تمتلكه يهودية عجوز وزوجها، ولم يكن لديهما أولاد لكنّهما كانا يحبّان تربية القطط ويمتلكان عدداً كبيراً منها ويعنيان بها ويحبّانها. وهو لم يكن يعلم أنّ ثمن أحدها يزيد عن ثلاثة آلاف دولار، على ما قالت اليهودية العجوز لاحقاً.

كان ينتظر حتّى مساء الخميس من كلّ أسبوع فيعود بالعمال أنفسهم الذين نقلهم في رحلة الذهاب إلى العمل في"الجنّة"، بحسب وصفه. والحديث كان عن الفارق بين عكّا وغزّة إبان مطلع ثمانينيّات القرن الماضي، حيث كان الآلاف من العمال الفلسطينيين يتوجهون إلى العمل في أراضي فلسطين المحتلة التي أطلقت عليها إسرائيل اسم "مناطق داخل الخطّ الأخضر". وكانوا يعملون في البناء والزراعة وكلّ المهن، ويعودون إلى بيوتهم محمّلين بالمال وما تخلّت عنه اليهوديات من ملابس وأجهزة كهربائية وحتّى من أثاث البيوت.

في أحد الأيام خرجت اليهودية العجوز مع زوجها للاحتفال بأحد أعيادهم. وهنا لمح قطّاً ناصع البياض ومكتنزاً يتجوّل في الحديقة وحيداً، فأمسك به سريعاً ووضعه في صندوق وأرسله مع أحد زملائه السائقين وطلب منه أن يسلّمه إلى أطفاله في المخيم، حيث كان زميله السائق يعود كلّ يوم إلى غزّة. وهكذا حمل السائق القطّ وسلمه إلى الأولاد وكلّمه من هاتف الجيران الوحيد في المخيم بأنّ الأمانة قد وصلت وأنّ كلّ أهل المخيم التفوا حول القطّ الأبيض الجميل الغريب الذي تبدو عليه أمارات النعمة. وحين عادت اليهودية العجوز من سهرتها وافتقدت القطّ بدأت تصرخ بطريقة هستيرية وانقضّت عليه تسأله عنه لأنّه الكائن الوحيد الذي كان موجوداً في المنطقة كلّها. فالجميع قد خرجوا للاحتفال بالعيد. وأمام إمساكها بتلابيبه وانقضاضها بأسنانها المتآكله على عنقه لم يجد مفرّاً من الاعتراف لها بأنّه قد أرسله إلى غزّة. فانهارت مغشياً عليه كأنّه قد أخبرها بأنّه قد أرسله إلى الجحيم.

أمام الشرطة الاسرائيلية تعهّد أن يعيد القطّ إلى صاحبته خلال ساعات. وهاتف جاره السائق وطلب منه أن يعود بالقطّ إلى عكّا وإلا فسوف يكون مصيرهما السجن. وهكذا عاد القطّ في صندوقه وحين فتح الضابط الصندوق وقفز منه القطّ أصيبت اليهودية بالإغماء مرّة ثانية، فقد كان لون القطّ أسود بسبب ركضه بين أزقّة المخيم. فأمسك به السائقان وصبّا الماء فوق شعره الكثيف حتّى انزاحت الأوساخ عنه وعاد إليه لونه الطبيعي. وهكذا عادت اليهودية العجوز إلى وعيها واحتضنت قطّها ولم تطمئنّ إلا حين صدر قرار في مركز الشرطة بمنع السائقين من دخول أراضي داخل الخط الأخضر مدى الحياة.

إقرأ أيضاً: حكواتي: بنت المدينة والفلاحون
دلالات
المساهمون