آش رشته: الحساء الإيراني الذي يكاد يكون خرافياً

14 يوليو 2015
الحساء الأسطوريّ وفيه الفوائد الغنية (العربي الجديد)
+ الخط -
يفضّل الإيرانيون عادة تناول الشوربات والحساء كمقبلات أساسية قبل البدء في تناول وجبة الطعام الرئيسية. لكن لحساء "آش رشته" طعم وطقوس أخرى. إذ يشكّل هذا الحساء جزءًا رئيسياً من المطبخ الإيراني. كما أنّه يعدّ وجبة كاملة متكاملة يعتمدها الإيرانيون بشكل دائم تقريباً على موائدهم في إفطارات شهر رمضان المبارك. كذلك يشكّل هذا الطبق جزءاً من السفرة الإيرانية بشكل دائم على مدار العام، تقريباً.
ولما كان إفطار الإيرانيين خفيفاً جداً، فهم يعتمدون على وجود الشوربة والجبن والخضروات بشكل رئيسي. لهذا السبب يعدّ حساء "آش رشته" من أبرز المأكولات الرمضانية الإيرانية. فبعض الإيرانيين يؤجّلون تناول وجبتهم الثقيلة حتّى وقت العشاء، وليس مباشرة حين يحلّ موعد الإفطار. حتّى إنّ بعض العائلات يفضّل أفرادها تناول الطبق الرئيسي على وجبة السحور. لذا تراهم يحتاجون إلى وجبة خفيفة وصحيّة ومتكاملة ليتناولها الصائمون منهم، وحتّى غير الصائمين، في موعد الإفطار الرمضاني. فشراء حساء "الآش" جاهزاً أصبح تقليداً رمضانياً لا يستغني عنه كثيرون.

اقرأ أيضاً: الهريسة الشامية.. اللاجئون ينقلونها إلى لبنان


المكوّنات

يتكون حساء "آش رشته" من عدد من الحبوب والبقوليات المتنوّعة. يستخدم في إعداده العدس الأحمر والأصفر والحمّص والفاصولياء الحمراء والخضراء والبيضاء، ويضاف إليها جميعاً أنواع عدّة من الأعشاب والخضراوات أبرزها الكزبرة والبقدونس والسبانخ والكراث. وطبعاً لا يمكن الاستغناء عن البصل في هذه الوجبة.
وبعد إضافة بهارات كالملح والفلفل والكمون يصبح الحساء جاهزا. ويضاف إلى كلّ طبق كمية من البصل المقلي، أو النعناع المقلي مع الزيت والثوم. كما أن الإيرانيين يضيفون في أطباقهم سائل الكشك، ليعطي الحساء طعما حامضاً مختلفاً يحبّه غالبيتهم.
تحضر مكونات الآش قبل يوم من طبخه. إذ إنّه لا بدّ من نقع الحبوب لليلة كاملة وسلقها لمدّة طويلة، حتّى تنضج تماماً. ثم تضاف إليها بقية المكونات. والمكون الأبرز هو "الرشته" باللغة الفارسية. وهي تعني في اللغة العربية "الشعيرية". ليصبح اسم الحساء "آش رشته". لكنّها شعيرية ثخينة وطويلة نسبياً.

آش دوغ

في حالات أخرى لا يضاف إلى حساء الآش هذه الشعيرية فلا يعود اسمه "آش رشته". يضاف اللبن بدلا من الشعيرية، فتسمّى الشوربة "آش دوغ". ويضاف اللحم في حالات أخرى لإعداده فيصير الاسم "آش شله قلمكار" أو "آش بوقلمون". لكن "آش رشته" هي بطلة موسم رمضان بامتياز.
يفضّل الإيرانيون تناول هذا الحساء، "الثقيل" نوعاً ما. وهذا بسبب تعدّد مكوّناته الغذائية، الضرورية للجسد خلال فصل الشتاء. لكنّه يحضر في المنازل ويباع في الحدائق وبعض المطاعم الخاصّة طيلة أيام العام. ويترافق تقديمه غالبا مع طقوس ومناسبات معيّنة.
ورغم أنّ "آش رشته" طبق رمضاني بامتياز، إلا أنّه يقدم في مناسبات العزاء أحياناً، ويقدّم إلى المرضى، كما يقدم كنذور، إذ يطبخه صاحب النذر ويوزّعه على الجيران أو على الفقراء والمساكين.

طبق العائلة

وكما لكلّ مطبخ في العالم تقاليده الخاصة، فللمطبخ الإيراني تقاليده أيضاً ولحساء الآش حصة منها. يقول الإيرانيون إنّ طقس طبخ الآش مرتبط باجتماع العائلة منذ القدم. إذ لا يحضّر أحد هذا الطبق، الذي يحتاج إلى مكوّنات كثيرة وإلى وقت طويل في الإعداد، دون وجود كلّ أفراد العائلة ودون وجود مناسبة خاصّة. لكنّهم في رمضان يفضّلون شراءه من الخارج كونه وجبة شبه يومية.
وتنقل كتب التاريخ الاجتماعي الإيراني أنّ تحضير حساء الآش رشته له علاقة بالتحمّل والصبر، بسبب احتياج إعداده إلى وقت طويل. حاله كحال عدد من الأطباق الإيرانية التقليدية القديمة ومنها "حليم"، الذي يعني بالعربية "الهريس"، وحتّى حلوى "السمنو"، المحضّرة من القمح. وكلّها أطباق يجب أن يشاركها كلّ بيت مع الآخرين.

في الشعر

لفظ "آش" موجود في كتب الأدب والشعر الفارسي، كما أنّ بعض متخصّصي اللغة ينقلون أنّ كلمة "طبّاخ"، التي تعني بالفارسية "آشبز"، يأتي جذرها من كلمة "آش". فتصبح كلمة "طبّاخ" بمعنى "معدّ الآش". وهي الكلمة التي تعني بالأساس كلّ ما هو حساء مكوّن من حبوب وبقوليات وخضر.

هذا يجعل أنواع حساء الآش متعدّدة وتختلف بحسب المنطقة الجغرافية والفصول. أي أنّ المواد المتوافرة والمختلفة، بحسب الزمان والمكان، تؤدي إلى صنع أنواع مختلفة من حساء الآش الذي تضيف له بعض المناطق القمح أحياناً، أو ربّ الرمان وحتّى ربّ النارنج في بعض الأحيان. وكلّها مواد متوفرة في إيران بكثرة.
تستخدم كلمة "آش" أيضا في عدد من الأمثال والمصطلحات ولها دلالات عديدة ومختلفة، منها "همان آش وهمان كاسه"، أي ذات الآش وذات الوعاء. وهو مثل يعني أنّ الحال ما زال كما هو ولم يتغيّر شيء. و" نخود هر آش بودن"، وهو مصطلح يعني أنّ هذا الشخص مثل أيّ حبّة من حبوب الآش، أي أنّه يتدخّل في كلّ شيء. فحبوب الآش تستخدم في كلّ أنواع هذا الحساء المختلفة.

في الأساطير الفارسية

تروي بعض القصص والأساطير الفارسية أن الآش كان يستخدمه القتلة قديماً. إذ كان يوضع السم في صحن الآش. وهذا يدلّ، بحسب خبراء، على قدم هذا الطبق في المطبخ الإيراني. واليوم يؤمن الإيرانيون أنّه قادر على شفاء المرضى كون مكوّناته الغذائية غنية للغاية. وما زالوا يوزّعونه بعد خروج أحد مرضاهم من المستشفى.
وكان الدكتور تولوزان الفرنسي نشر كتاباً عن الأطعمة الإيرانية في عهد الملك ناصر الدين شاه في زمن القاجاريين. وقد ذكر أنّ هناك عشرين نوعاً مختلفاً من الآش. وعدّد فوائدها المختلفة.
ويحاول الإيرانيون اليوم الاحتفاظ بالطقوس المرتبطة بهذا الطبق رغم تغيّر الظروف المعيشية وتقدّم الحياة. فهم ما زالوا يواظبون على أكل الآش في مناسبات خاصّة منها رمضان، وما زالوا يوزّعونه على من حولهم.
دلالات
المساهمون